الثاني : أنَّه منعه للعدل إلى فُعَل، وإن لم يعرف اللفظ المعدول عنه وجعله كُعَمر وزُفَر.
الثالث : أنه اسم أعجميٌّ فمَنْعُهُ للعلمية والعجمة.
ومن كَسَر ولم يُنوّن فباعتبار البقعة أيضاً.
فإن كان اسماً فهو نظير عِنَب، وإن كان صفة فهو نظير عِدَى وسِوَى.
ومن نَوَّنه فباعتبار المكان.
وعن الحسن البصري : أنه بمعنى الثناء بالكسر والقصر، والثناء المتكرر مرتين فيكون معنى هذه القراءة : أنه طهر مرتين، فيكن مصدراً منصوباً بلفظ (المقدس)، لأنه بمعناه، كأنه قيل : المقدس مرتين من التقديس.
وقرأ عيسى بن عمر والضَّحَّاك " طَاوِيْ اذْهِب ".
وطُوَى : إما بدل من
١٩٠
الوادي أو عطف بيان له.
أو مرفوع على إضمار مبتدأ، أو منصوب على إضمار أعْنِي.
فصل استدلت المعتزلة بقوله :" اخْلَعْ نَعْلَيْكَ " على أن كلام الله تعالى ليس بقديم، إذ لو كان قديماً لكان الله قائلاً قبل وجود موسى : اخْلَعْ نَعْلَيْكَ يَا مُوسَى، ومعلوم أن ذلك سفه، فإن الرجل في الدار الخالية إذا قال يا يزيد افعل، ويا عمرو لا تفعل مع أن زيداً وعمراً لا يكونان حاضرين يعد ذلك جنوناً وسفهاُ.
فكيف يليق ذلك بالإله سبحانه وتعالى ؟ وأجيب عن ذلك بوجهين : الأول : أن كلامه تعالى وإن كان قديماً إلا أنه في الأزل لم يكن أمراً ولا نهياً.
الثاني : أنه كان أمراً بمعنى أنه وجد في الأزل شيء لما استمر إلى ما يزال صار الشخص به مأموراً من غير وقوع التغير في ذلك الشيء، كما أن القدرة تقتضي صحة الفعل، ثم إنها كانت موجودة في الأزل من غير هذه الصحة، فلما استمرت إلى ما لا يزال حصلت الصحة، فكذا ههنا، وهذا كلام فيه غموض وبحث دقيق.
فصل قال بعضهم : في الآية دلالة على كراهة الصلاة والطواف في النعل، والصحيح عدم الكراهة، لأنا عللنا الأمر بخلع النعلين لتعظيم الوادي، وتعظيم كلام الله تعالى كان الأمر مقصوراً على تلك الصورة.
وإن عللناه بأن النعليْن كانتا من جلد حمار ميِّت، فجائز أن يكون محظوراً لبس جلد الحمار الميت، وإن كان مدبوغاً، فإنْ كان ذلك فهو منسوخ بقوله عليه السلام :" أَيُّمَا إِهَابٍ دُبغَ طَهُرَ " " وقد صلى النبي - ﷺ - في نعليْه ثم خلعهما في الصلاة،
١٩١
فخلع الناس نعالهم فلما سلم قال : ما لكم خلعتم نعالكم ؟ قالوا : خلعتَ فخلعنا قال :" فإنَّ جِبريلَ عليه السَّلامُ أخبرَنِي أنَّ فيهِمَا قذراً " فلم يكره النبي ﷺ الصلاة في النعل، وأنكر على الخالعين خلعها، وأخبرهم أنه إنما خلعهما لما فيهما من القذر.

فصل قال عكرمة وابن زيد : طُوَى : اسم للوادي.


قال الضَّحاك : طُوَى : واد مستدير عميق الطويّ في استدارته.
وقيل : طُوَى معناه مرتين نحو ثنى.
أي : قدِّس الوادي مرتين أي : نُودِيَ موسَى نِدَاءَيْن يقال : ناديته طُوًى أي : مثنى.
وقيل : طُوى أي ؛ طيًّا.
قال ابن عباس : إنه مرَّ بذلك الوادي ليلاً فطواه، فكان المعنى بالوادي الذي طويته طيًّا أي : قطعته حتى ارتفعت إلى أعلاه، ومن ذهب إلى هذا قال : طُوًى مصدر أخرج عن لفظه كأنه قال : طويتُه أطوِي طُوًى كما يقال : هدى يهدي هُدًى.
جزء : ١٣ رقم الصفحة : ١٨٨
قوله تعالى :" وَأنَا اخْتَرْتُكَ " أي للرسالة والكلام.
قرأ حمزة " وَ " أنَّا اخْتَرْنَاكَ " بفتح الهمزة فضمير المتكلم المعظم نفسه.
وقرأ السلمي والأعمش وابن هرمز كذلك إلا أنهم كسروا الهمزة.
والباقون :" وَأنَا اخْتَرْتُكَ " بضمير المتكلم وحده.
وقرئ " أَنِّي اخْتَرْتُكَ " بفتح الهمزة.
١٩٢
فأما قراءة حمزة فعطف على قوله " أنِّي رَبُّكَ أَنَا رَبُّكَ " وذلك أنه يفتح الهمزة هناك ففعل ذلك لما عطف غيرها عليها.
وجوز أبو البقاء أن يكون الفتح على تقدير : وَلأنّا اخْتَرْنَاكَ فَاسْتَمِعْ، فعلقه باسْتَمِعْ.
والأول أولى.
ومن كسرها فلأنه يقرأ " إنِّي أنَا رَبُّكَ " بالكسر.
وقراءة أُبي كقراءة حمزة بالنسبة للعطف.
ومفعول " اخْتَرْتُكَ " الثاني محذوف، أي اخترتك من قومك.
قوله :" لِمَا يُوحَى " الظاهر تعلقه بـ " اسْتَمِع " ويجوز أن تكونَ اللام مزيدة في المفعول على حد قوله تعالى " رَدِفَ لَكُمْ " وجوَّز الزمخشري وغيره أن تكون المسألة من باب التنازع بين " اخْتَرْتُكَ " وبين " اسْتَمِعْ " كأنه قيل :" اخْتَرْتُكَ لِمَا يُوحَى فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى ".
قال الزمخشري : فعلق اللام باسْتَمِعْ أو باخْتَرْتُكَ وقد رد أبو حيان هذا بأن قال : ولا يجوز التعليق باخْتَرْتُكَ لأنه من باب الإعمال فكان يجب أو يختار إعادة الضمير مع الثاني، فكان يكون : فاسْتَمِعْ لَهُ لِمَا يُوحَى، فدل على أنه من باب إعمال الثاني.
قال شهاب الدين : والزمخشري عنى التعليق المعنوي من حيث الصلاحية وأما تقدير الصناعة فلم يَعْنِهِ.
(و " ما " ) يجوز أن تكون مصدرية وبمعنى الذي، أي فاسْتَمِعْ للوحي أو للذي يوحى).

فصل هذهالآية تدل على النبوة لا تحصل بالاستحقاق، لأن قوله :" وَأَنَا اخْتَرْتُكَ " يدل



الصفحة التالية
Icon