من بين أهلي ويجوز أن يكون " وَزيراً " مفعولاً ثانياً و " هارُونَ " هو الأول، وقدم الثاني عليه اعتناء بأمر الوزارة.
وعلى هذا فقوله :" لِي " يجوز أن يتعلق بنفس الجعل، وأن يتعلق بمحذوف على أنه حال من " وَزِيراً " مفعولاً أول، و " مِنْ أهْلِي " هو الثاني.
وقوله :" لِي " مثل قوله :﴿وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ﴾ [الإخلاص : ٤] يعنون أنه به يتم المعنى.
ذكر ذلك أبو البقاء.
ولما حكاه أبو حيان لم يعقبه بنكير، وهو عجب، لأن شرط المفعولين في باب النواسخ صحة انعقاد الجملة الاسمية، وأنت لو ابتدأت بوزيرٍ وأخبرت عنه بـ (مِنْ أَهْلِي) لم يجز، إذ لا مسوِّغ للابتداء به.
و " أَخشي " بدل أو عطف بيان لـ " هَارُونَ ".
وقال الزمخشري : وإن جعل عطف بيان آخر جازِ وحَسُن.
قال أبو حيَّان : ويبعُدُ فيه عطفُ البيان، لأن عطف البيانِ الأكثر فيه أن يكون الأول دونه في الشهرة، وهذا بالعكس.
قال شهاب الدين : لم يُرِد الزمخشري أنَّ " أَخِيط عطفُ بيان لـ " هَارُونَ " حتى يقول الشيخ : إن الأول وهو " هَاروُنَ " أشهر من الثاني وهو " أخِي "، إنما عنى الزمخشري أنه عطفٌ بيان أيضاً لـ " وزيراً "، ولذلك قال : آخر، ولا بد
٢٢٧
من الإتيان بلفظه ليعرف أنه لم يرد إلا ما ذكرته.
قال :" وَزيراً " و هَارُونَ " مفعولاً قوله :: اجْعَلْ "، أوْ " لي وَزِيراً : معفولاه، و " هَارونَ " عطفُ بيان للوزير، و " أخِي " في الوجهين بدل من " هَاروُنَ "، وإن جعل عطف بيان آخر جازَ وحَسُنَ فقوله :(آخر) يُعَينُ أن يكون عطفَ بيان لما جُعِل عنه عطف بيان قبل ذلك.
وجوَّز الزمخشري (في " أَخِي " ) أن يرتفع بالابتداء، ويكون خبره الجملة من قوله :" اشْدُدْ بِهِ "، وذلك على قراءة الجمهور له بصيغة الدعاء، وعلى هذا فالوقف على " هَارُونَ ".
وقرأ ابن عامر " أَشْدُد " للمضارعة، وجزم الفعل جواباً للأمر، " وَأُشْرِكْهُ " بضم الهمزة للمضارعة، وجزم الفعل نسقاً على ما قبله حكاية عن موسى : أنا أفعل ذلك.
وقرأ الباقون بحذف همزة الوصل من الأول، وفتح همزة القطع في الثاني على أنهما دعاء من موسى لربه بذلك، وعلى هذه الجملة قد ترك فيها العطف خاصة دون ما تقدمها من جمل الدعاء وقرأ الحسن " أَشْدُدْ " مضارع شدد بالتشديد.
والوزير : قيل : مشتق من الوِزْر، وهو الحبل الذي يحتضن به وهو الملجأ لقوله
٢٢٨
تعالى :" كَلاَّ لاَ وِزْرَاً " قال : ٣٦٥٥ - مِنَ السِّبَاعِ الضَّوَارِي دُونَهَا وَزَرٌ
وَالنَّاسُ شَرُّهُمُ مَا دُونَهُ وَزَرُ
جزء : ١٣ رقم الصفحة : ٢٢٢
كَمْ مَعْشَرٍ سَلِمُوا لَمْ يُؤذِهِمْ سَبْعٌ
وَلاَ تَرَى بَشَراً لَمْ يُؤْذِهِم بَشَرُ
وقيل : من المُؤَازَرَةِ، وهي المعاونة، نقله الزمخشري عن الأصمعي قال : وكان القياس أَزيراً يعني بالهمزة، لأن المادة كذلك، قال الزمخشري :(فقلبت) : الهمزة إلى الواو، ووجع قبلها إليها أنَّ فَعِيلاً جاء بمعنى مُفَاعِل مجيئا صالحاً كقولهم : عَشِيرِ، وجَلِيسِ، وخَلِيط وصَدِيق، وخَلِيل، ونَدِيم فلما قلبت في أخيه وإلى المؤازرة.
يعني أن وزيراً بمعنى مُؤَازر، ومُؤازر تقلب فيه الهمزة واواً قليلة قياساً، لأنها همزة مفتوحة بعد ضمة فهو نظير مُؤَجَّل ويُؤاخذكم وشبهه، فَحُمِلَ أَزير عليه في القلب، وإنْ لم يكن فيه سبب القلب.
والمُؤازرة مأخوذةٌ من إزار الرجل، وهو الموضع الذي يشده الرجل إذا استعد لعمل متعب.
فصل اعلم أن طلبَ الوزير إما أنه خاف على نفسه العجزَ عن القيام بذلك الأمر فطلب المُعين، أو لآنه رأى أنَّ التعاونَ على الدين والتظاهرَ عليه مع مخالصة الود وزوال التهمة قربةٌ عظيمة في الدعاء إلى الله تعالى، ولذلك قال عيسى ابن مريم :﴿مَنْ أَنصَارِى إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ﴾ [آل عمران : ٥٢]، وقال لمحمد عليه السلام {يا
٢٢٩


الصفحة التالية
Icon