أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال : ٦٤] وقال عليه السلام :" إنَّ لِي في السَّمَاءِ وَزِيرَيْنِ، وَفِي الأَرْضِ وَزِيرَيْن فاللَّذانَ فِي السَّماءِ جِبْريلُ وميكائيلُ (عليهما السلام) وّاللَّذانِ في الأرض أبو بكرٍ وَعمَرُ (رضي الله عنهما " ) ".
وقال عليه السلام :" إذَا أَرَادَ اللهُ بِمَلِكٍ خيراً قَيَّضَ اللهُ لَُ وَزِيراً صَالِحاً إنْ نَسِيَ ذكَّره، وإنْ نَوَى خَيْراً أعانَه، وإنْ أَرَادَ شَرَّاً كَفَّهُ " وقال أنوشروان : لاَ يَسْتَغْنِي أجودُ السيوف عن الصقي، ولا أكرمُ الدوابَّ عن السَّوْط (ولا أعلمُ الملوك عن الوزير).
وأراد موسى - عليه السلام - أن يكون ذلك الوزير من أهله أي من أقاربه، وأن يكون أخاه هارون، والسببُ فيه إما لأن التعاونَ على الدين منفعة عظيمة فأراد أن لا تحصل هذه الدرجة إلا بأهله، أو لأن كل واحد منهما كان في غاية المحبة لصاحبه.
وكان هارونُ أكبرَ سناً من موسى بأربع سنين، وكان أفصحَ منه لساناً، وأجملَ وأوسمَ أبيض اللون، وكان موسى آدم اللون أقْنَى جَعْداً.
و " اشْدُدْ بِهِ (أزري) قَوِّ) ظَهْري، " وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي " في النبوة.
والأَزْرُ القوة، وَآزَرَهُ : قَوَّاه.
وقال أبو عبيدة : أَزْرِي : ظَهْرِي.
وفي كتاب الخليل : الأَزْرُ الظَّهرُ.
ثم إنه تعالى حكى عنه ما لأجله دعا بهذا الدعاء فقال :" كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثيراًط قال الكلبي : نُصَلِّي لكَ كثيراً، ونحمدكُ، ونثني عليك.
والتَّسبيحُ : تنزيهُ اللهِ تعالى في ذاته وصفاته عمَّا لا يليق به.
" وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً " أي : نصفُك بصفاتِ الجَلالِ والكِبْرِيَاء.
٢٣٠
قوله :" كَثِيراً " نعت لمصدر محذوف، أو حال من ضمير المصدر كما هو رأي سيبويه.
وجوَّز أبو البقاء : أن يكون نعتاً لزمان محذوف، أي : زماناً كثيراً.
قوله :" إنَّك كُنْتَ بِنَا بَصيراً " أي عالِماً بأنَّا لا نريد بهذه الطاعات إلا وجهَك ورضاك، أو بصيراً بأنَّ الاستعانةَ بهذه الأشياء لأجل حاجتي في النبوة إليه، أو بصيراً بوجوه مصالحنا فأَعْطِنَا ما هو أصلح لنا.
جزء : ١٣ رقم الصفحة : ٢٢٢
قوله تعالى :﴿قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسَى وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى ﴾ فُعْل بمعنى مَفْعُول كقولك : خُبْزٌ بمعنى مَخْبُوز وأُكْلٌ بمعنى مَأْكُول، ولا ينقاس و " مَرَّةً " مصدر، و " أُخْرَى " تأنيث آخر بمعنى : غير، وزعم بعضهم أنها بمعنى آخرة فتكون مقابلة للأولى، وتخيَّلَ لذلك بأن قال سمَّها أخرَى وهي أولَى، لأنها أخرى في الذكر.
فصل إن موسى عليه السلام لما سأل ربه تلك الأمور الثمانية، وكان في المعلوم أن قيامه بما كلفه (لا يتم إلا بإجابته إليها، لا جرم أجابه الله تعالى إليها ليكون أقدر على إبلاغ ما كلف به) فقال :﴿قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسَى وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى ﴾ فنبه بذلك على أمور :
٢٣١
أحدها : كأنه تعالى قال : إني رَاعَيْتُ مَصْلَحَتَكَ قبل سؤالك فكيف لا أُعطيك مرادك بعد السؤال.
وثانيها : إني كنت ربيتُك فلو منعتك الآن كان ذلك رداً بعد القبول وإساءة بعد الإحسان، فكيف يليق بكرمي.
وثالثها : إنا أعطيناك في الأزمنةِ السالفةِ كلَّ ما احتجتَ إليه، ورقَّيْنَاكَ إلى الدرجة العالية، وهي درجة النبوة، فكيف يليق بمثل هذه الرتبة المنع عن المطلوب.
ومعنى " مَنَنَّا عَلَيْكَ " أَنْعَمْنَا عَلَيْكَ " مَرَّةً أُخْرَى " فإن قيل : لِمَ ذكر تلك النِّعَم بلفظ المنّة مع أن هذه اللفظة مؤذية والمقامُ مقامُ التلطف ؟ فالجواب : إنما ذكر ذلك ليعرف موسى عليه السلام أن هذه النعم التي وصل إليها ما كان مستحقاً لشيء منها، بل إنما خصَّه الله بها لمحض التفضل والإحسان.
فإن قيل : لم ثال :" مَرَّةٌ أُخْرَى " مع أنه تعالى ذكر " مِنَنَاً " كثيرة ؟ فالجواب : لَمْ يُعْنِ بـ " مَرَّةٌ أُخْرَى " مرة واحدة من المنن، لأن ذلك قد يقال في القليل والكثير.
قوله :" إذْ أَوْحَيْنَا " العامل في " إذِ مَنَنا " أي مننا عليك في وقت إيحائنا إلى أمك، وأبهَمَ في قوله :" مَا يُوحَى " للتعظيم كقوله تعالى :﴿فَغَشِيَهُمْ مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ﴾ [طه : ٧٨] وهذا وحي إلهام، لأن الأكثرين على أن أم موسى - عليه السلام - ما كانت من الأنبياء، وذلك لأن المرأة لا تصلح للقضاء والإمامة، ولا تمكن عند أكثر العلماء من تزويج نفسها، ويدل على ذلك قوله تعالى :﴿وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِى إِلَيْهِمْ﴾ [الأنبياء : ٧].
٢٣٢


الصفحة التالية
Icon