وفتح الراء على البناء للمفعول، والمعنى : خافَا أن يسبق في العقوبة أي يحمله حامل عليها وعلى المعاجلة بها إما قومه وإما الشيطان وإما حبه الرياسة، وإما ادعاؤه الإلهية.
وقرأ ابن محيصن في رواية الزعفراني :" أن يُفْرِط " بضم المضارعة وكسر الراء من أفرط.
قال الزمخشري : من افرَطَهُ غيره، إذا حمله على العجلة خَافَا ان يحمله حامل على المعاجلة بالعقاب.
وقال كعب بن زهير : ٣٦٦١ - تَنْفِي الرِّيَاحُ القَذَى عضنْهُ وَأفْرَطَهُ
مِنْ صَوْبِ سَارِيَةٍ بِيضٌ يَعَالِيلُ
جزء : ١٣ رقم الصفحة : ٢٥٥
أي سبقت هذه البيض لتملاه.
وفاعل يفرط ضمير فرعون، وهذا هو الظاهر الذي ينبغي أن لا يعدل عنه، وجعله أبو البقاء مضمراً لدلالة الكلام عليهن فقال : فيجوز أن يكون التقدير : أن يَفْرُط علينا منه قولٌ فأضمر القول لدلالة الحال عليه كما تقول : فَرَط منِّي قول، وأن يكون الفاعل ضمير فرعون كما كان في " يَطْغَى ".
فصل قال ابن عباس :" يَفْرُطَ عَلَيْنَآ " يعجل علينا بالقتل والعقوبة.
يقال : فَرَطَ عَلَيْنَا فلان إذا عجل بمكروه، وفَرَط منه أي بدر وسبق ﴿أَوْ أَن يَطْغَى ﴾ يجاوز الحد بالتخطي إلى أن يقول فيك ما لا ينبغي لجرأته عليك.
واعلم أن من أمر بشيء فحاول دفعه لأعذار يذكرها فلا بد أن يختم كلامه بما هو الأقوى، كما أن الهُدْهُدَ ختم عذره
٢٥٧
بقوله :﴿وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ﴾ [النمل : ٢٤]، فكذا هاهنا بدأ موسى بقوله ﴿أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَآ﴾، وختم بقوله ﴿أَوْ أَن يَطْغَى ﴾ لما كان طغيانه في حق الله - تعالى - أعظم من إفراطه في حق موسى وهارون.
قوله :﴿قَالَ لاَ تَخَافَآ إِنَّنِي مَعَكُمَآ أَسْمَعُ وَأَرَى ﴾ لا تخافا مما عرض في قلبكما من الإفراط والطغيان، لأن ذلك هو المفهوم من الكلام، لأنه - تعالى - لم يؤمنهما من الرد، ولا من التكذيب بالآيات ومعارضة السحرة وقوله :" إِنَّنِي مَعَكُمَآ " أي : بالحراسة والحفظ وقوله :" أَسْمَعُ وَأَرَى " قال ابن عباس : اسمع دعاءكما فأجيبه، وأرى ما يراد بكما فأمنع لست بغافل عنكما فلا تهتما.
وقال القفال :(قوله : أَسْمَعُ وَأَرَى) قال ابن عباس : اسمع دعاءكما فأجيبه، وأرى ما يراد بكما فأمنع لست بغافل عنكما فلا تهتما.
وقال القفال :(قوله :" أسْمَعُ وَأرَى " يحتمل أن يكون مقابلاً لقوله ﴿يَفْرُطَ عَلَيْنَآ أَوْ أَن يَطْغَى ﴾ ﴿أَوْ أَن يَطْغَى ﴾ بأن لا يسمع منّا " يَفْرُطَ عَلَيْنَآ " بأن يقتلنا، فقال الله تعالى :﴿إِنَّنِي مَعَكُمَآ أَسْمَعُ﴾ كلامكما فأسخّره للاستماع منكما، " وَأَرَى " أفعاله فلا أتركه حتى يفعل بكما ما تكرهانه واعلم أن مفعول) (أسْمَعُ وَأَرَى) محذوف، فقيل : تقديره : أسمع أقوالكما وأرى أفعالكما.
وعن ابن عباس : أسمع جوابه لكما (وَأَرَى مَا يُفْعَل بِكُمَا).
أو يكون من حذف الاقتصار، نحو " يحيي ويُميت ".
جزء : ١٣ رقم الصفحة : ٢٥٥
قوله :" فَأتِيَاهُ " أعاد التكليف المتقدم فقال :﴿فأتِيَاهُ فَقُولاَ لَهُ﴾ وذلك أنه تعالى قال أولاًَ ﴿اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ﴾ [طه : ٢٤] وثانياً قال :﴿اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ﴾ [طه : ٤٢]
٢٥٨
وقال ثالثاً :﴿اذْهَبَآ إِلَى فِرْعَوْنَ﴾ [طه : ٤٣].
ورابعاً (قال هاهنا " فَأتِيَاهُ " ).
فإن قيل : إنه تعالى أمرهما بأن يقولا له " قَوْلاً لَيِّناً "، وهاهنا أمرهما بأن يقولا ﴿فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِى إِسْرَائِيلَ وَلاَ تُعَذِّبْهُمْ﴾ وفي هذا تغليظ من وجوه : الأول :" إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ " ) وهذا يقتضي انقياده لهما والتزامه لطاعتهما، وذلك يعظم على الملك المتبوع.
والثاني : قوله :﴿فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِى إِسْرَائِيلَ﴾ فيه إدخال النقص على ملكه، لأنه كان محتاجاً إليهم فيما يريده من الأعمال وأيضا : أمرهم بالإرسال يقتضي وجوب الطاعة والانقياد فيصير تحت أمرهم.
والثالث : نهيهم له بقولهم :" وَلاَ تُعَذِّبهُمْ ".
والرابع : قوله :﴿قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ﴾.
فما الفائدة في القول اللين أولاً والتغليظ ثانياً ؟ فالجواب : أن الإنسان إذا أظهر اللجاجة فلا بد له من التغليظ.
فإن قيل : أليس أن الأولى أن يقولا إنا رَسُولاَ رَبِّكَ قَدْ جئنَاكَ بآيةٍ فأرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إسرائيلَ وَلاَ تُعَذِّبْهُم، فإن ذكر المعجز مقروناً بادعاء الرسالة أولى من تأخيره عنه ؟ فالجواب : بل هذا أولى، لأنهم ذكروا مجموع الدعاوى ثم استدلوا على ذلك المجموع بالمعجز.
قوله :﴿قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ﴾ قال الزمخشري : هذه الجملة جارية من الجملة الأولى وهي ﴿إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ﴾ مجرى البيان والتفسير، لأن دعوى الرسالة لا تثبت إلا بينتهما التي هي مجيء الآية.
فإن قيل : إن الله تعالى أعطاه آيتين، وهما العصا واليد ثم قال :{اذْهَبْ أَنتَ
٢٥٩