وَأَخُوكَ بِآيَاتِي} [طه : ٤٢]، وذلك يدل على ثلاث آيات وقال هاهنا ﴿قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ﴾، وذلك يدل على أنها كانت واحدة (فكيف الجمع) ؟ أجال القفال : بأن معنى الآية هاهنا الإشارة إلى جنس الآيات كأنه قال : جئْنَاك ببيان من عند الله.
ثم يجوز أن يكون ذلك حجة واحدة أو حججاً كثيرة.
وقال غيره : المراد في هذا الموضوع تثبيت الدعوى ببرهانها فكأنه قال : قد جئناك بمعجزة وبرهان وحجة على ما ادعينا من الرسالة كقوله :﴿قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ [الأعراف : ١٠٥]، وقوله :﴿فَأْتِ بِهَآ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ [الأعراف : ١٠٦] وقوله :﴿أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيءٍ مُّبِينٍ﴾ [الشعراء : ٣٠].
وتقدم الجواب عن التثنية والجمع، وأن في العصا واليد آيات.
قوله :﴿وَالسَّلاَمُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى ﴾ يحتمل أن يكون تسليماً منهما ولم يؤمرا به، فتكون الجملة مستأنفة لا محل لها من الإعراب قال بعضهم : إنَّ (عَلَى) بمعنى (اللام) أي والسلام لمن اتبع الهدى كقوله تعالى :﴿لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُواءُ الدَّارِ﴾ [الرعد : ٢٥] أي : عليهم اللعنة، وقال تعالى :﴿مَّنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا﴾ [فصلت : ٤٦] وقال :﴿إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا﴾ [الإسراء : ٧].
٢٦٠
وهذا وعد منهما لمن آمن وصدق بالسلامة له من عقوبات الدنيا والآخرة والسلام والسلام بمعنى السلامة، كما يقال : رضاع ورضاعة.
وقيل : هذا من كلام الله تعالى كأنه قال :" فَقُولاَ إنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ وَقُولاَ لَهُ والسَّلاَمُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الهُدَى "، وليس المراد منه التحية إنما معناه سَلِم من عذاب الله من أسلم.
قوله :" أرسِلْ مَعَنَا بَنِي إسْرَائيلَ " خلِّ عنهم وأطلقهم عن أعمالك " وَلاَ تُعَذِّبهُم " لا تتعبهم في العمل، وكان فرعون يستعملهم في الأعمال الشاقة.
قوله تعالى :﴿لْعَذَابَ عَلَى مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّى ﴾ هذه الآية من أقوى الدلائل على أن عقاب المؤمن لا يدوم، لأن الألف واللام للاستغراق، أو الإفادة (الماهية، وعلى) التقديرين يقتضي انحصار هذا الجنس في " من كذب وتولى) فوجب أن لا تحصل لغير المكذب المتولي.
وظاهر هذه الآية يقتضي بأنه لا يعاقب أحداً من المؤمنين بترك العمل به في بعض الأوقات، فجب أن يبقى على أصله في نفي الدوام، ولأن العقاب المتناهي إذا حصل بعد السلامة مدة غير متناهية صار ذلك العقاب كأنه لا عقاب فلذلك يجسن مع حصول ذلك القجر أن يقال : إنه لا عقاب.
وأيضاً فقوله :﴿وَالسَّلاَمُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى ﴾ يقتضي حصول السلامة لكل من اتبع الهدى، إذا فسَّرنا السلام بالسلامة.
والعارف بالله قد اتبع الهدى، فوجب أن يكون صاحب السلامة.
ومعنى الآية : إنما يعذب الله من كذب بما جئنا به وأعرض عنه.
قوله :" أنَّ العَذَابَ " " أنَّ " وما في خبرها في محل رفع لقيامه الفاعل الذي
٣٦١
حذف في " أُوْحِيَ إِلَيْنَا " بنائه للمفعول (خوفاً أن يبدر من فرعون بادرة لمن أوحي لو سمياه فطويا ذكره تعظيماً له واستهانة بالمخاطب).
جزء : ١٣ رقم الصفحة : ٢٥٨
قوله :﴿قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يا مُوسَى ﴾ وحده بعد مخاطبته لهما معاً إمَّا لأنَّ موسى هو الأصل في الرسالة وهارون تبع وردء ووزير وإما لأن فرعون كان لخبثه يعلم الرُّتَّة التي في لسان موسى، ويعلم فصاحة هارون بدليل قوله :﴿وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً﴾ [القصص : ٣٤] وقوله :﴿وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ﴾ [الزخرف : ٥٢] فأراد استنطاقه دون أخيه.
وإما لأنه حذف المعطوف للعلم به أي : يا موسى وهارون وقاله أبو البقاء وبدأ به.
وقد يقال : حَسَّنَ الحذف كون موسى فاصلة، لا يقال : كان يغني في ذلك أن يقدم هارون ويؤخر موسى فيقال : يا هارون وموسى فتحصل مجانسة الفواصل من غير حذف، لأن نداء موسى أهم فهو المبدوء به.
واعلم أن في الكلام حذف، لأنه لما قال ﴿فَأْتِيَاهُ فَقُولا اا إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِى إِسْرَائِيلَ﴾ [طه : ٤٧] إلى قوله :﴿أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّى ﴾ [طه : ٤٨]أمر من الله تعالى لموسى بأن يقول لفرعون ذلك الكلام والتقدير : فَذَهبا إلى فرعون فقالا له ذلك فقال مجيباً لهما من رَبُّكما ؟ قوله :﴿أَعْطَى كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ﴾ في هذه الآية وجهان : أحدهما : أن يكون " كُلُّ شَيْءٍ " مفعول أول و " خَلْقَهُ " مفعولاً ثانياً على معنى أعطى كل شيء شكله وصورتَه التي تطابق المنفعو المنوطة به كما أعطى العين الهيئة
٢٦٢


الصفحة التالية
Icon