الخطاب في " تَحْشرَ " وروي عنهم " يَحشر بياء الغيبة، و " الناسَ " نصب في كلتا القراءتين (على المفعولية) والضمير في القراءتين لفرعون أي وأن تَحْشرَ أنتَ يا فرعونُ (أوْ وأنْ يَحْشُرَ فرعون).
وجوز بعضهم أن يكون الفاعل ضمير اليوم في قراءة الغيبة، وذلك مجاز لما كان الحشر واقعاً فيه نشب إليه نحو : نهاره صائم، وليله قائم.
و " ضُحَى " نصب على الظرف العامل فيه " يُحْشَر " ويذكر ويؤنث " والضَّحاء " بالمد وفتح الضاد فوق الضحى، لأن الضُّحى ارتفاع النهار والضَّحاءُ بعد ذلك، وهو مذكر لا غير.
فصل قال مجاهد وقتادة والسدي :" يَوْمُ الزِّينَةِ " كان يوم عيد لهم يتزيَّنُون فيه، ويجتمعون في كل سنة.
وقيل : هو يوم النيروز، قاله مقاتل.
وقال ابن عباس وسعيد بن جبير : يوم عاشوراء.
واختلفوا في القائل ﴿مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ﴾ فقيل : هو فرعون بيِّن الوقت.
قال : القاضي : لأن المطالب بالاجتماع هو فرعون.
والظاهر أنه من كلام موسى لأن جواب لقول فرعون ﴿فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً﴾ وأيضاً : إن تعيين يوم الزينة يقتضي اطلاع الكل على ما سيقع فيه، فتعيينه إنما يليق بالمحق الذي يعرف أن اليد له لا بالمبطل الذي يعرف أنه لس معه إلا التلبيس.
وأيضاً : فقوله :" مَوْعِدُكُمْ " خطاب للجميع، فلو جعلناه من فرعون لموسى وهارون لزم إما حمله على التعظيم وذلك لا يليق بحال فرعون معهما، أو على أن أقل الجمع
٢٨٩
اثنان وهو غير جائز، أما لو جعلناه من موسى إلى فرعون وقومه استقام الكلام.
وإنما أوعدهم ذلك اليوم، ليكون علو كلمة الله، وظهور دينه وكبت الكافرين، وزهوق الباطل على رؤوس الأشهاد في المجمع العام ليكثر المحدث بذلك الأمر العجيب في كل بدو وحضر، ويشيع في جميع أهل الوبر والمدر.
قال القاضي : إنه عين اليوم بقوله " يَوْمَ الزِّينَةِ "، ثم عين من اليوم وقتاً معيناً بقوله :﴿وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى﴾ أي : وقت الضحوة نهاراً جهاراً.
جزء : ١٣ رقم الصفحة : ٢٨٠
قوله :﴿فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى ﴾ التَّولِّي : قد يكون إعراضاً وقد يكون انصرافاً، والظاهر أنه هنا بمعنى الانصراف، وهو مفارقة موسى عن الحق " فَجَمَعَ كَيْدَهُ " مكره، وقومه، وحيله، وسحرتهن وآلاته " ثُمَّ أتَى " الموضع بما جمعه.
قال ابن عباس : كانوا اثنين وسبعين ساحراً مع كل واحد منهم حبل وعصا.
وقيل : كانوا أربعمائة.
وقال كعب : اثني عشر ألفاً.
وقيل : أكثر من ذلك.
ثم ضربت لفرعون قبة فجلس فيها ينظر إليها، وكان طول القبة سبعون ذراعاً.
فقال لهم موسى عند ذلك يعني للسحرة الذين جمعهم فرعون ﴿وَيْلَكُمْ لاَ تَفْتَرُواْ عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ﴾ أي : لا تزعموا أن الذي جئت به ليس بحق، وأنه سحر، وأنكم متمكنون من معارضتي، فَيُسْحِتَكم الله بعذاب أي : فيهلككم، قاله مقاتل والكلبي.
وقال قتادة : فيستأصلكم ﴿وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى ﴾.
٢٩٠
الخيبة : الحرمان والخسران.
قوله :" وَيْلَكُمْ " قال الزجاج : يجوز في انتصاب " وَيْلَكُمْ " أن يكون المعنى ألزمهم الله وَيْلاً إن افتروا على الله، ويجوز على النداء كقوله :﴿يا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ﴾ [هود : ٧٢] ﴿قَالُواْ يا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا﴾ [يس : ٥٢].
قوله :" فَيُسْحِتَكُمْ " قرأ الأخوان وحفص عن (عاصم " فَيُسْحِتَكُم " بضم الياء وكسر الحاء.
والباقون بفتحهما.
فقراءة الأخوين من أسْحَتَ رباعياً وهي لغة نجد وتميم.
قال) الفرزدق التميمي : ٣٦٦٤ - وعَضَّ زَمَانٍ يَا ابْنَ مَرْوَانَ لَمْ يَدَعْ
مَنَ المَالِ إلاَّ مُسْحَتاً أوْ مُجَلِّفُ
وقراءة الباقين من سحته ثلاثياً وهي لغة الحجاز، وأصل هذه المادة لدلالة على الاستقصاء والنفاد، ومنه سحت الحالق الشعر الذي استقصاه، فلم يترك منه شيئاً، ويستعمل في الإهلاك والإذهاب، ونصبه بإضمار أن في جواب النهي.
ولمَّا أنشد الزمخخشري قول الفرزدق :................................
..........
(إلاَّ مُسْحَتاً أوْ مُجَلَّفُ)
جزء : ١٣ رقم الصفحة : ٢٩٠
قال بعد ذلك : في بيت لم تزل الرُّكَبُ تصطك في تسوية إعرابه.
٢٩١


الصفحة التالية
Icon