من حيث خط المصحف، وذلك أنه رسم " هَذَانِ " بدون ألف ولا ياء، فَأتيانه بالياء زيادة على خط المصحف.
قال أبو إسحاق : لا أجيز قراءة أبي عمرو لأنها خلاف المصحف.
وقال أبو عبيد : رأيتها في الإمام مصحف عثمان " هَذَانِ " ليس فيها ألف وهكذا رأيت رفع الاثنين في ذلك المصحف بإسقاط الألف، وإذا كتبوا النصب والخفض كتبوه بالياء ولا يسقطونها.
قال شهاب الدين : وهذا لا ينبغي أن يرد به على أبي عمرو، وكم جاء في الرسم أشياء خارجة عن القياس، وقد نَصُّوا على أنه لا يجوز القراءة بها، فليكن هذا منها أعين : مما خرج عن القياس، فإن قلت ما نقلته عن أبي عبيد مشترك الإلزام بين أبي عمرو وغيره، فإنهم كما اعترضوا عليه بزيادة الياء يعترض عليهم بزيادة الألف، فإن الألف ثابتة في قراءتهم ساقطة من خط المصحف.
فالجواب ما تقدم من قول أبي عبيد أنه رآهم يسقطون الألف من رفع الاثنين فإذا كتبوا النصب والخفض كتبوه بالياء، وذهب جماعة منهم عائشة - رضي الله عنها - وأبو عمرو إلى هذا مما لَحَن فيه الكاتب وأفهم بالصواب يعنون أنه كان من حقه أن يكتبه بالياء فلم يفعل، فلم يقرأه الناس إلا بالياء على الصواب.
وأما قراءة الباقين ففيها أوجه : أحدها : أنَّ " إنَّ " بمعنى نَعَمْ، و " هَذَانِ " مبتدأ، و " لَسَاحِرَانِ " خبره، وكن ورود " إنَّ " بمعنى نَعَم قوله : ٣٦٦٥ - بَكَرَ العَوَاذِلُ في المَشيـ
ـبِ يَلُمْنَنِي وَألُومُهُنَّهْ
جزء : ١٣ رقم الصفحة : ٢٩٤
وَيَقُلْنَ شَيْبٌ قَدْ عَلاَ
كَ وَقَدْ كَبِرْتَ فَقُلْتُ إنَّهْ
٢٩٦
أي فقلت : نعم، والهاء للسكت، وقال رجل لابن الزبير : لعن الله ناقةً حَمَلَتْنِي إليك.
إنَّ صاحِبَها.
أي نَعَم ولعَنَ صاحبَها.
وهذا رأي المبرد وعلي بن سليمان.
وهو مردود من وجهين : أحدهما : عدم ثبوت " إنَّ " بمعنى " نَعَمْ " وما أوردوه يؤول، أما البيت فإن الهاء اسمها، والخبر محذوف لفهم المعنى تقديره : إنَّه كذلك، وأما قول ابن الزبير فذاك من حذف المعطوف عليه وإبقاء المعطوف، وحذف خبر " إنَّ " للدلالة عليه تقديره : إنها وصاحبها ملعونان وفيه تكلف لا يخفى.
والثاني : دخول اللام على خبر المبتدأ دون المؤكد بأنَّ المكسورة، لأن مثله لا يقع إلا ضرورة، كقوله : ٣٦٦٦ - أُمُّ الحُلَيْسِ لَعَجُوزٌ شَهْرَبَهْ
تَرْضَى مِنَ اللَّحْمِ بِعَظْمِ الرَّقَبَهْ
وقد يجاب عنه بأنَّ " لَسَاحِرَانِ " يجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف دخلت عليه هذه اللام تقديره لَهُمَا ساحران، وقد فعل ذلك الزجاج كما سيأتي حكايته عنه.
الثاني : أنَّ اسمها ضمير القصة وهو " ها " التي قبل " ذَان " ِ، وليست بـ " ها " التي للتنبيه الداخلة على أسماء الإشارة، والتقدير : إنها القصة ذَانِ لسَاحِرَانِ.
٢٩٧
وقد ردوا هذا من وجهين : أحدهما : من جهة الخط (وهو أنه) لو كان كذلك لكان ينبغي أن يكتب إنها، فيصلوا الضمير بالحرف قبله كقوله تعالى :﴿فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ﴾ [الحج : ٤٦] فكتبهم إياها مفصولة من " إنَّ " متصلة باسم الإشارة يمنع كونها ضميراً وهو أوضح.
الثاني : أنه يؤدي إلى دخول لام الابتداء في الخبر غير المنسوخ وقد يجاب عنه بما تقدم.
الثالث : أن اسمها ضمير الشأن محذوف والجملة من المبتدأ والخبر بعده في محل رفع خبر لأن التقدير : إنه أي : الأمر والشأن.
وقد ضعف هذا بوجهين : أحدهما : حذف اسم " إنَّ " وهو غير جائز إلا في شعرٍ بشرط أن لا تباشر " إنَّ " فعلاً، كقوله : ٣٦٦٧ - إنَّ مَنْ يَدْخُل الكَنِيسَةَ يَوْماً
يَلْقَ فِيهَا جَآذِراً وَظِبَاءا
والثاني : دخول اللام في الخبر، وقد أجاب الزجاج بأنها داخلة على مبتدأ محذوف تقديره : لَهُمَا سَاحِرَانِ، وهذا قد استحسنه شيخه المبرد أعني جوابه بذلك.
٢٩٨
الرابع : أنَّ " هَذَانِ " اسمها و " لَسَاحِرَانِ " خبرها.
وقد رد هذا بأنه كان ينبغي أن يكون " هَذَيْنِ " بالياء كقراءة أبي عمرو، وقد أجيب عن ذلك بأنه على لغة بني الحرث وبني الصَّخم وبني العنبر وزبيد وعذرة وسراة وخثعم وكِنَانَة، وحكى هذه اللغة الأئمة الكبار كأبي الخطاب وأبي زيد الأنصاري (والكسائي).
قال أبو زيد : سمعت من العرب من ينقلب كل ياء ينفتح ما قبلها ألفاً، يجعلون المثنى كالمقصور، فيثبتون ألفاً في جميع أحواله، ويقدرون إعرابه بالحركات، وأنشدوا قوله : ٣٦٦٨ - فَأَطْرَقَ إطْرَاقَ الشُّجَاعِ وَلَوْ يَرَى
مَسَاغاً لِنَابَاهُ الشُّجَاعُ لَصَمَّمَا
جزء : ١٣ رقم الصفحة : ٢٩٤
أي لنابيْه.
وقوله : ٣٦٦٩ - إنَّ أَبَاهَا وَأَبَا أَبَاهَا
قَدْ بَلَغَا في المَجْدِ غَايَتَاهَا
أي غايتيها.
٢٩٩
قال الفراء : وحكى بعض بني أسد قال : هذا خطُّ يدَا خطُّ أخي أعرفه وقال قطرب : هؤلاء يقولون : رأيتُ رجلاَنِ، واشتريت ثوبَانِ قال : وقال رجل من بني ضبة جاهليّ : ٣٦٧١ - (أعْرِفُ مِنْهَا الأنْفَ وَالعَيْنَانَا
وَمَنْخِرَيْنِ أَشْبَهَا ظَبْيَانَا)


الصفحة التالية
Icon