وقال آخر : ٣٦٧١ - كَأنَّ صَرِيفَ نَابَاهُ إذَا مَا
أَمَرَّهُمَا قَدِيمَ الخَطْبَانِ
(الخطبان : ذكر الصِّرْدَان).
وروى ابن جني عن قطرب : ٣٦٧٢ - هِيَّاكَ أنْ تَبْكِي بِشَعْشَعَانِ
خَبِّ الفُؤَادِ مَائِلِ اليَدَانِ
قال الفراء : وذلك - وإن كان قليلاً - أقيس.
لأن ما قبل حرف التثنية مفتوح فينبغي أن يكون ما بعده ألفاً لانفتاح ما قبلها، وذكر قطرب أنهم يفعلون ذلك فراراً إلى الألف التي هي أخف حروف المد ويقولون : كسرتُ يداه، وركبتُ علاه، يعني يديه وعليه، وقال شاعرهم :
٣٠٠
٣٦٧٣ - تَزَوَّدَ مِنَّا بَيْنَ أذْنَاهُ ضَرْبَةً
دَعَتْهُ إلى هَابِي التُّرَابِ عَقِيم
إلى غير ذلك من الشواهد.
واستدل لقراءة أبي عمرو بأنها قراءة عثمان وعائشة وابن الزبير وسعيد بن جبير، روى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة - رضي الله عنها - أنها سئلت عن قوله تعالى :﴿إِنْ هَـاذَانِ لَسَاحِرَانِ﴾ وعن قوله :﴿وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى ﴾ (في المائدة : ٦٩)، وعن قوله :﴿لَّـاكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ﴾ [النساء : ١٦٢] إلى قوله :﴿وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ﴾ [النساء : ١٦٢]، فقالت : يا ابن أخي هذا خطأ من الكاتب.
وروي عن عثمان أنه نظر في المصحف، فقال : أرى فيه لحناً وستقيمه العرب بألسنتها.
٣٠١
وعن ابن عمرو أنه قال : إنِّي لأَسْتَحي أن أقرأ ﴿أنْ هَـاذَانِ لَسَاحِرَانِ﴾.
وقرأ ابن مسعود :" وَأسَرُّوا النَّجْوَى أنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ " بفتح " أن " وإسقاط اللام على أنها وما في خبرها بدل من " النَّجْوَى " كذا قاله الزمخشري، وتبعه أبو حيان ولم ينكره، وفيه نظر، لأن الاعتراض بالجملة القولية مفسرة للنجوى في قراءة العامة.
وكذا قاله الزمخشري أولاً فكيف يصح أن يجعل ﴿أنْ هَـاذَانِ لَسَاحِرَانِ﴾ بدلاً من النجوى ؟ وقرأ حفص عن عاصم بتخخفيف النونين.
وعن الأخفش :﴿إنْ هَـاذَانِ لَسَاحِرَانِ﴾ خفيفة بمعنى ثقيلة وهي لغة لقوم يرفعون بها ويدخلون اللام ليفرقوا بينها وبين التني تكون في معنى (ما).
وروي عن ابن أبي كعب ﴿ما هَـاذَانِ إلاَّ لَسَاحِرَانِ﴾، وروي عنه أيضاً ﴿إنْ هَـاذَانِ إلاَّ لَسَاحِرَانِ﴾، وعن الخليل بمثل ذلك.
وعنة أُبَيِّ أيضاً :﴿إنْ ذَانِ لَسَاحِرَانِ﴾.

فصل قال المحققون : هذه القراءات لا يجوز صحيحها، لأنها منقولة بطريق


٣٠٢
الآحاد، والقرآن يجب أن يكون منقولاً بالتواتر، ولو جوزنا إثبات زيادة في القرآن بطريق الآحاد لما أمكننا القطع بأن هذا الذي هو عندنا كل القرآن، لأنه لما جاز في هذه القراءات أنها من القرآن مع كونها ما نقلت بالتواتر، ولو جوزنا إثبات زيادة في القرآن بطريق الآحاد لما أمكننا القطع بأن هذا الذي هو عندا كل القرآن، لأنه لما اجاز في هذه القراءات أنها من القرآن مع كونها ما نقلت بالتواتر جاز في غيرها ذلك.
فثبت أن تجويز كون هذه القراءات من القرآت يطرق جواز الزيادة والنقصان والتغيير في القرآن، وذلك يُخرج القرآن عن كونه حجة، ولما كان ذلك باطلاً فكذلك ما قرئ.
واما الطعن في القراءة المشهورة فلو حكمنا ببطلانها جاز مثله في جميع القرآن، وذلك يُفضِي إلى القدح في التواتر، وإلى القدح في كل القرآن، وهو باطل، وإذا ثبت ذلك امتنع صيرورته معارضاً بخبر الواحد المنقول عن بعض الصحابة.
وأيضاً : فإن المسلمين أجمعوا على أنَّ ما بين الدفتين كرمُ الله، وكلام الله لا يجوز أن يكون لحناً وغلطاً ولذلك ذكر النحويون وجه تصحيح القراءة المشهورة كما تقدم.
فصل اعلم أنه تعالى لما ذكر ما أسروه من النجوى حكى عنهم ما أظهروه بما يدل على التنفير عن متابعة موسى، وهو أمور : أحدها : قولهم " إنَّ هَذَيْنِ لَسَاحِرَانِ " وهذا طعن منهم في معجزات موسى ومبالغة في التنفير عنه، لأن كل طبع سليم ينفر عن السحر وعن رؤية الساحر لأنَّ الإنسان يعلم أن السِّحْر لا بقاء له، فإذا اعتقدوا فيه السحر قالوا : كيف نتبعه، وهو لا بقاء له ولا لدينه ؟ وثانيها : قوله :﴿يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ﴾ وهذا نهاية التنفير، لأن مفارقة الوطن والمنشأ شديدة على القلب.
وهذا كقول فرعون : تُرِيدُ أنْ تُخْرِجَنَا مِنْ أرْضِنَا يا مُوسَى، فكأنَّ السحرة تلقفوا هذه الشبهة من فرعون ثم أعادوها.
٣٠٣


الصفحة التالية
Icon