وثالثها : قوله :﴿وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى ﴾، وهذا أيضاً له تأثير شديد في القلب، فإن العدو إذا استولى على جميع المناصب والأشياء التي يرغب فيها كذلك يكون في نهاية المشقة على القلب.
قال ابن عباس : يَعْني براءة قومِكم وأشْرَافِهم يقال : هؤلاء طريقة قومهم أي : أشْرَافُهُمْ.
والمُثْلَى تأنيثُ الأمْثَلِ (وهو الأفضل.
وسمي بالأفضل بالأمثل)، لأن الأمثل هو الأشبه بالحق وقيل : الأَمْثَلُ : الأوضح الأظهر وحدث الشعبي عن عليٍّ قال : يصرفان وجوه الناس إليهما.
وقال قتادة :" طَرِيقَتُكُمْ المثْلَى " يومئذ بنو إسرائيل، كانوا أكثر القوم عدداً (وأموالاً)، فقال عدو الله يريد أن يذهبا بهم لأنفسهم.
وقيل : بطريقتكم أي بسنتكم ودينكم الذي أنتم عليه.
والمُثْلَى : نعت الطريقة، تقول العرب : فلان على الطريقة المُثْلَى يعني على الهدى المستقيم.
وقيل : الطريقة المُثْلى الجاه والمنصب والرياسة.
قوله :" بِطَرِيقَتِكُمْ " الياء مُعَدِّية كالهمزة، والمعنى بأهل طريقتكم.
قال الزجاج : هذا من باب حذف المضاف.
وإذا كانت الطريقة عبارة عن العادة فلا حذف.
جزء : ١٣ رقم الصفحة : ٢٩٤
قوله :" فَأجْمِعُوا " قرأ أبو عمرو " فاجْمَعوا " بوصف الألف وفتح الميم.
والباقون : بقطعها مفتوحة وكسر الميم، وقد تقدم تحقيق ذلك في سورة يونس.
٣٠٤
و " كَيْدَكُم " مفعول به، وقيل : هو على إسقاط الخافض أي : على كَيْدِكم وليس بشيء.
فأما قراءة أبي عمرو في من الجمع أي لا تدعوا شيئاً من كَيْدِكُمْ إلا جئتم به بدليل قوله :" فَجَمَعَ كَيْدَهُ ".
ومعنى القراءة الباقين قيل : معناه الجمع أيضاً تقول العرب : أجمعت الشيء وجمعته بمعنى واحد.
والصحيح أن معناه العزم والإحكام قال الفراء : الإجماع الإحكام والعزيمة على الشيء.
أي أجمعُوا كُلكم على كيده مجتمعين له ولا تختلفوا فيختل أمركم.
﴿ثُمَّ ائْتُواْ صَفّاً﴾ أي : جميعاً، قاله مقاتل والكلبي.
وقيل : أي : مُصْطَفِّين مجتمعين، ليكون أنظم لأمركم وأشد لهيبتكم.
وقال أبو عبيدة، والزجاج : الصَّف موضع الجمع، ويسمى المصلى صفاً، أي : ائتوا المكانَ الموعودَ الذي تجتمعون فيه ليعيدكم.
قوله :" صَفًّا " يجوز أن يكون حالاً من فاعل " ائْتُوا " أي ائْتُوا مصطفين أي ذوي صَفٍّ فهو مصدر في الأصل.
وقيل : هو مفعول به أي : ائْتُوا قوماً صفًّا، وفيه التسمية بالمصدر.
أو هو
٣٠٥
على حذف مضاف أي ذوي صف.
قوله :" وَقَدْ أفْلَحَ " قال الزمخشري : اعتراض بمعنى : وقد فاز من غلب.
يعني بالاعتراض : أنه جيء بهذه الجملة (أجنبية من كلامهم ومقولتهم، لأن من جملة قولهم :﴿قَالُواْ يا مُوسَى إِمَّآ أَن تُلْقِيَ﴾ [طه : ٦٥]، وهذه الجملة) أعني : قوله :" وَقَدْْ أَفْلَحَ " من كلام الله تعالى، فهي اعتراض بهذا الاعتبار.
وفيه نظر.
لأن الظاهر أنها من (مقولاتهم قالوا هذا تحريضاً لقومهم على القتال وحينئذ فلا اعتراض.
جزء : ١٣ رقم الصفحة : ٣٠٤
قوله :﴿قَالُواْ يا مُوسَى إِمَّآ أَن تُلْقِيَ﴾ الآية : وهنا حذف والتقدير : فحضروا الموضع قالوا السحرة يا موسى.
قوله :﴿إِمَّآ أَن تُلْقِيَ﴾ فيه أوجه : أحدها أنه منصوب بإضمار فعل تقديره : اختر أحد الأمرين.
كذا قدره الزمخشري.
قال أبو حيان : هذا تفسير معنى لا تفسير إعراب، وتفسير الإعراب إما أن تختار الإلقاء.
والثاني : أنه مرفوع على خبر ميتدأ محذوف تقديره : الأمر إما إلقاؤك أو إلقاؤنا.
كذا قدره الزمخشري.
الثالث : أن يكون مبتدأ وخبره محذوف، تقديره : إلقاؤك أول، ويدل عليه قوله :﴿وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى ﴾، واختار أبو حيان، وقال : فتحسن
٣٠٦
المقابلة من حيث المعنى، وإن لم تحسن المقابلة من حيث التركيب اللفظي.
قال : وفي تقدير الزمخشري الأمر إلقاؤك فيه.
وتقدم نظير هذا في الأعراف.
فصل معنى الكلام : إما أن تلقي ما معك قَبْلنا (وإما أنْ نلقي ما معنا قبلك) وهذا التخيير مع تقديمه في الذكر حسن أدب منهم وتواضع، فلا جرم رزقهم الله الإيمان ببركته، ثم إن موسى - عليه السلام - قابل أدبهم بأدب فقال :" بَلْ أَلْقُوا ".
فإن قيل : كيف يجوز أن يقول موسى " بَلْ أَلْقُوا " فيأمرهم بما هو سحر وكفر لأنهم إذا قصدوا بذلك تكذيب موسى - عليه السلام - كان كفراً ؟ فالجواب من وجوه : الأول : لا نسلم أن نفس الإلقاء كفر، لأنهم إذا ألقوا وكان غرضهم أن يظهروا، الفرق بين ذلك الإلقاء وبين معجزة موسى - عليه السلام - (كان ذلك الإلقاء إيماناً إنما الكفر هو القصد إلى تكذيب مويى - عليه السلام -، وهو عليه السلام) إنما أمر بالإلقاء لا بالقصد إلى التكذيب فزال السؤال.
والثاني : ذلك الأمر كان مشروطاً، والتقدير : ألقوا ما أنتم ملقون إن كنتم محقين، كقوله تعالى :﴿فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ﴾ [البقرة : ٢٣] (أي : إن كنتم قادرين).
الثالث : أنه لما تعيَّن ذلك طريقاً إلى كشف الشبهة صار ذلك جائزاً، وهذا


الصفحة التالية
Icon