كقول إبراهيم عليه السلام :﴿وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ [الصافات : ٩٩].
قوله :﴿وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِناً﴾.
قرأ أبو عمرو ساكنة الهاء، ويختلسها أبو جعفر وقالون ويعقوب والآخرون بالإشباع.
" مُؤْمِناً " مات على الإيمان " قَدَ عَمِل " أي وقد عمل الصالحات، واعلم أن قوله :﴿قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ﴾ يقتضي أن يكون آتياً بكل الصالحات وذلك بالاتفاق غير معتبر ولا ممكن، فينبغي أن يحمل ذلك على أداء الواجباتـ ثم ذكر أنَّ مَنْ أتى بالإيمان والأعمال الصالحة كانت لهم الدرجات العلا، ثم فسر الدرجات العلا فقال :﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ﴾ وفي الآية تنبيه على حصول العفو لأصحاب الكبائر، لأنه تعالى جعل الدرجات العلا من الجنة لمن أتى بالإيمان والأعمال الصالحة فسائر الدرجات التي هي غير عالية ولا بد وأن تكون لغيرهم، وما هم إلا العصاة من أهل الإيمان.
والعلا : جميع العليا، والعليا تأنيث الأعلى.
قوله :" جَنَّاتُ " بدل من الدَّرَجَاتُ " أو بيان، قال أبو البقاء : ولا يجوز أن يكون التقدير : هِي جَنَّاتُ، لأن " خَالِدِينَ " على هذا التقدير لا يكون في الكلام ما يعمل في الثاني، وعلى الأول يكون في الحال الاستقرار، أو معنى الإشارة.
قوله :﴿وَذالِكَ جَزَآءُ مَن تَزَكَّى ﴾ قال ابن عباس : يريد من قال : لا إله إلا الله ومعنى " تَزَكَّى " تطهَّر من الذنوب، قال عليه السلام " إنَّ أهْلَ الدَّرَجَاتِ العُلَى لَتَرَوْنَهُمْ مِنْ تَحْتِهِمْ كَمَا تَرَوْنَ الكَوْكَبَ الدُّرِّي فِي أُفقِ السَّمِاء، وإنَّ أبَا بَكْر وَعُمَر مَنْهُم " واعلم أنَّه ليس في القرآن أنَّ فرعون فعل بأولئك القوم المؤمنين ما أوعدهم، ولم يثبت في الأخبار.
٣٣٠
جزء : ١٣ رقم الصفحة : ٣٢٦
قوله تعالى :﴿وَلَقَدْ أَوْحَيْنَآ إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي﴾ الآية.
وفي هذه الآية دلالة على أنَّ موسى - عليه السلام - في تلك (الحال كثرة مستجيبوه) فأراد الله تعالى تمييزهم من طائفة فرعون، فأوحى إليه أن يسري بهم ليلاً، والسُّرَى سَيْرُ الليل، والإسراء مثله والحكمة في السُّرَى بهم : لئلا يشاهدهم العدو فيمنعهم عن مرادهم أو ليكون ذلك عائقاً لفرعون عن طلبه ومتبعيه أو ليكون إذا تقارب العسكران لا يرى عسكرُ موسى عسكرَ فرعون فلا يهابونهم.
قوله :﴿فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً﴾ في نصب " طريقاً " وجهان : أحدهما : أنَّه مفعولٌ به، وذلك في سبيل المجاز، وهو أنَّ الطريقَ متسبِّبٌ عن ضرب البحر، إذ المعنى : اضرب البحرَ لينفلق لهم فيصير طريقاً فبهذا يصح نسبة الضرب إلى الطريق.
وقيل : ضرب هنا بمعنى جعل، أي : اجعَلْ لهم طريقاً وأشرعه فيه.
والثاني : أنه منصوب على الظرف، قال أبو البقاء : التقدير موضع طريق فهو مفعول به على الظاهر، ونظيره قوله : أن اضْرِب بِعَصَاكَ البَحْرَ وهو مثل ضَربْتُ زيداً.
وقيل : ضرب هنا بمعنى جَعَل وشَرَع مثل قولهم : ضَرَبْتُ له
٣٣١
بسهم.
انتهى.
فقوله على الظَّاهر، يعني أنه لولا التأويل لكان ظرفاً.
قوله :" يَبَساً " صفة لـ " طريقاً " وصف به لِما يؤول إليه، لأنه لم يكن يَبَساً بعد إنَّما مرَّت عليه الصبا فجففته كما روي في التفسير.
وقيل : في الأصل مصدر وصف به مبالغة، (أو على حذف مضاف أو جمع يابس كخادم وخَدَم، وصف به الواحد مبالغة) كقوله : ٣٦٧٩ -......................................
................
وَمِعًى جِيَاعَا
أي : كجماعة جِياع، وصف به لفرط جوعه.
وقرأ الحسن :" يَبْساً " بالسكون، وهو مصدر أيضاً.
وقيل : المفتوح اسم، (والساكن مصدر).
وقرأ أبو حَيْوة :" يَابِساً " اسم فاعل جعله بمعنى الطريق.
ومن قرأ " يَبَساً " بتحريك الباء، فالمعنى : طريقاً ذا يبس.
ومن قرأ بتسكين الباء فهو مخفف عن اليبس فالمعنى ما كان فيه وحل ولا نداوة فضلاً عن الماء، وذلك أن الله - تعالى - أيْبَسَ لهم الطريق في البحر.
٣٣٢
قوله :" لاَ تَخَافُ " العامة على " لاَ تَخَافُ " مرفوعاً، وفيه أوجه : أحدها : أنه مستأنف فلا محل له من الإعراب.
الثاني : أنه في محل نصب على الحال من فاعل " اضْرِب " غير خائف.
والثالث : أنه صفة لـ " طريقاً "، والعائد محذوف، أي : لاَ تَخَافُ فيه وحمزة وحده من السبعة :" لاَ تَخَفْ " بالجزم، وفيه أوجه : أحدها : أن يكون نهياً مستأنفاً.
الثاني : أنَّه نهيٌ أيضاً في محل نصب على الحال من فاعل " اضْرِب "، أو صفة لـ " طَريقاً " كما تقدم في قراءة العامة إلا أن ذلك يحتاج إلى إضمار قول، أي مقولاً لك، أو طريقاً مقولاً فيه : لاَ تَخَفْ كقوله :
٣٣٣
٣٦٨٠ - جَاءُوا بِمَذْق هَلْ رَأيْتَ الذِّئْبَ قَطّ