يكون ساخطاً عليه، وذلك لا يليق بحال الأنبياء.
والجواب المراد تحصيل دوام الرضا كقوله :" ثُمَّ اهْتَدَى " المراد دوام الاهتداء.
الخامس : قوله ﴿وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى ﴾ يدل على أنه ذهب إلى الميعاد قبل الوقت الذي عيَّنه الله له وإلا لم يكن تعجيلاً، ثم ظن أنَّ مخالفة أمر الله سبب لتحصيل رضاه، وذلك لا يليق بأجهل الناس فضلاً عن كليم الله.
والجواب : أن ذلك كان باجتهادٍ وأخطأ فيه.
السادس : قوله :" إلَيْكَ " يقتضي كون الله في الجهة، لأن " إلى " لانتهاء الغاية.
والجواب : اتفقنا على أنَّ الله - تعالى - لم يكن في الجبل، فالمراد إلى مكان وعدك.
فصل دلت الآية على أنَّه تعالى أمره بحضور الميقات مع قوم مخصوصين فقال المفسرون : هم السَّبعُون الذين اختارهم الله من جملة بني إسرائيل، يذهبون معه إلى الطور ليأخذوا التوراة، فسلر بهم موسى، ثم عجَّل موسى من بينهم شوقاً إلى ربه، وخلق السبعين وأمرهم ان يتبعوه إلى الجبل، فقال الله له :﴿وَمَآ أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ يا مُوسَى ﴾ قال مجيباً لربه ﴿هُمْ أُوْلا ااءِ عَلَى أَثَرِي﴾ أي : بالقرب منِّي يأتون من بعدي ﴿وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى ﴾ لتزداد رِضًى.
قوله :﴿هُمْ أُوْلا ااءِ عَلَى أَثَرِي﴾ كقوله :﴿ثُمَّ أَنْتُمْ هؤلاء تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ﴾ [البقرة : ٨٥] و ﴿عَلَى أَثَرِي﴾ يجوز أن يكون خبراً ثانياً، وأن يكون حالاً وقرأ الجمهور :" أولاَءِ " بهمزة مكسورة.
والحسن وابنُ معاذ بياء مكسورة، وإبدال الهمزة ياءً (تخفيفاً).
٣٤٨
وابن وثاب " أُولى " بالقصر دون همزة.
وقرأت طائفة " أولاَيَ " بياء مفتوحة، وهي قريبة من الغلط والجمهور " عَلَى أثَرِي " بفتح الهمزة والثاء.
وأبو عمرة في رواية عبد الوارث، وزيد بن علي " إثْرِي " بكسر الهمزة وسكون الثاء وعيسى بضمها وسكون الثاء، وحكاها الكسائي (لغة).
قوله :﴿فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ﴾ أي : ابتلينا الذين خَلَّفَتَهُم مع هارون، وكانوا ستمائة ألف، فَأُفْتِنُوا بالعجل غير اثني عشر ألفاً من بعدك انطلاقك إلى الجبل.
فصل قالت المعتزلة : لا يجوز أن يكون المرادُ أنَّ الله - تعالى - خلقَ فيهم الكفر لوجهين : الأول : الدلائل العقلية (الدالة على) أنه لا يجوز من الله - تعالى - أن يفعل ذلك.
والثاني : أنَّه قال :" وَأَضَلَّهُمُ السَّامِريّ ".
وأيضاً : فلأن موسى لمَّا طالبَهُم بذكر سبب الفتنة، فقال :﴿أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ [طه : ٨٦] فلو حصل ذلك بخلق الله لكان لهم أن يقولوا السبب فيه أن الله خلقه فِينَا لا ما ذكرت، فكان يبطل كلام موسى - عليه السلام -.
وأيضاً فقوله :﴿أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ [طه : ٨٦] ولو كان ذلك بخلقه لاستحال أن يغضبَ عليهم فيما هو الخالق له، ولما بطل ذلك وجب أن
٣٤٩
يكون لقوله :" فَتَنَّا " معنًى آخر، وذلك لأن الفتنة قد تكون بمعنى الامتحان، يقال : فَتَنْتُ الذَّهَبَ بالنار إذا امتحنته بالنار فتميز الجيد من الرديء، فهاهنا شدَّد الله التكليف عليهم، لأن السَّامِرِيَّ، لما أخرج لهم العجل صاروا مكلفين بأن يستدلوا بحدوث جملة العالم والأجسام على أنَّ له إلهاً بجسم وحينئذ يعرفون أن العجل لا يصلح للإلهية فكان هذا التعبد تشديداً في التكليف، (والتشديد في التكليف) موجود.
قال تعالى :﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا ااْ أَن يَقُولُوا ااْ آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ﴾ [العنكبوت : ٢].
والجواب : ليس في ظهور صوت من عجلٍ متخذٍ من الذهب شبهة أعظم مما في الشمس والقمر، والدليل الذي ينفي كون الشمس والقمر إلهاً أولى بأن ينفي كون العجل إلهاً، فحينئذ لا يكون حدوث العجل تشديداً في التكليف ولا يصح حمل الآية عليه، فوجب حمله على خلق الضلال فيهم.
وقوله : أضاف الإضلال إلى السَّامري.
قلنا : أليس أن جميع المسببات العادية تضاف إلى أسباب من الظاهر وإن كان الموجد هو الله - تعالى - فكذا هاهنا.
وأيضاً قرئ " وَأَضَلَّهُم السَّامِرِيّ " أي : وأشد ضلالهم السامري، وعلى هذا لا يبقى للمعتزلة استدلال، ثم الذي يحسم مادة الشغب مسألة الداعي.
وقوله :" وَأَضَلَّهُم السَّامِرِي " العامة على أنه فعلٌ ماض مسند إلى السامري.
وقرأ أبو معاذ " وَأَضَلَّهُم " مرفوعاً بالابتداء، وهو أفعل تفضيل، و " السَّامِرِيُّ " خبره.
ومعنى " أَضَلَّهُمْ " أي : دَعَاهم وصَرفَهُم إلى عبادة العِجْلِ، وأضاف الإضلال إلى السَّامِرِيُّ، لأنهم ضلوا بسببه.
قال ابن عباس في رواية سعيد بن جبير : كان السامري عِلْجاً من أهل كِرْمان وقع إلى مصر، وكان من قوم يعبدون البقر، والأكثرون
٣٥١


الصفحة التالية
Icon