أَنزَلْنَاهُ} [الأنبياء : ٥٠] ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ﴾ [الزخرف : ٤٤] ﴿وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ﴾ [ص : ١] ﴿ يا أيها الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ﴾ [الحجر : ٤].
وفي تسمية القرآن بالذكر وجوه : أحدها : أنه كتاب فيه ذكرُ ما يحتاج إليه الناس من أمور دينهم ودنياهم.
وثانيها : أنه يذكر أنواع آلاء الله ونعمائه، وفيه التذكير والموعظة.
وثالثها : فيه الذكر والشرف لك ولقومك كما قال :﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ﴾ [الزخرف : ٤٤] وسمى الله تعالى كل كتاب أنزله ذكراً فقال تعالى :﴿فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ﴾ [النحل : ٤٣، الأنبياء : ٧] وكما بيَّن نعمته بذلك بيَّنَ وعيده لمن أعرض عنه فقال :﴿مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْراً﴾ أي : من أعرض عن القرآن ولم يؤمن به ولم يعمل بما فيه فإنه يحمل يوم القيامة وزراً، والوزرُ هو العقوبة الثقيلة، سماها وزراً لثقلها على المعاقب تشبيهاً بالحمل الثقيل.
وقيل : حِمْلاً ثقيلاً من الإثم.
قوله :" مَنْ أَعَرَضَ " يجوز أن تكون " مَنْ " شرطية أو موصولة، والجملة الشرطية أو الخبرية الشبيهة بها في محل نصب صفة لـ " ذِكْراً ".
قوله :" خَالِدينَ فِيهِ " حال من فاعل " يَحْمِلُ ".
فإن قيل : كيف يكون الجمع حالاً من مفرد ؟ فالجواب : أنه حمل على لفظ " مَنْ " فأفرد الضمير في قوله :" أَعْرَضَ " و " فَإِنَّهُ " و " يَحْمِلُ "، وعلى معناها فجمع في " خَالِدِينَ " و " لَهُمْ "، والمعنى مقيمين في عذاب
٣٨٠
الوزر.
والضمير في " فِيهِ " يعود لـ " وِزْراً "، والمراد فيه العقاب المتسبب عن الوزر، وهو الذَّنب، فأقيم السبب مقام المسبب.
وقرأ داود (بن رفيع) " ويُحَمَّل " مضعفاً مبنيَّا للمفعول، والقائم مقام فاعله ضمير " مَنْ " و " وِزْراً " مفعول ثان.
قوله :" وَسَاءَ " هذه ساء التي بمعنى بِئْس وفاعلها مستتر فيها يعود إلى " حِمْلاً " المنصوب على التمييز، لأن هذا الباب يفسر الضمير فيه بما بعده، والتقدير : وَسَاءَ الحِمْلُ حِمْلاً، (والمخصوص بالذم محذوف تقديره : وَسَاء الحِمْلُ حِمْلاً وِزْرَهُمْ).
ولا يجوز أن يكون الفاعل لبئس ضمير الوِزْر، لأن شرط الضمير في هذا الباب أن يعود على نفس التمييز.
فإن قلتَ : ما أنكرت أن يكون في " سَاءَ " ضمير الوزر.
قلت : لا يصح أن يكون في " سَاءَ " وحكمه حكم بئس ضمير شيءٍ بعينه غير مبهم.
ولا جائز أن يكون " سَاءَ " هنا بمعنى " أَهَمَّ وأحزَنَ) فتكون متصرفة كسائر الأفعال.
قال الزمخشري : كفاك صادَّا عنه أن يَؤُول كلامُ الله تعالى إلى قولك وأحْزَنَ الوِزْرَ لَهُمْ يومَ القيامة حِمْلاً، وذلك بعد أن تخرج عن عُهْدِة هذه اللام وعهدة هذا المنصوب.
انتهى.
واللام في " لَهُمْ " متعلقة بمحذوف على سبيل البيان كهي في " هَيْتَ لَك " والمعنى بئس ما حملوا على أنفسهم من الإثم كفراً
٣٨١
بالقرآن.
قوله :" يَوْمَ يُنْفَخُ " " يَوْمَ " بدل من " يَوْمَ القِيَامَةِ "، أو بيان له أو منصوب بإضمار فعل، أو خبر مبتدأ مضمر، وبُنِيَ على الفتح على رأي الكوفيين كقراءة " هَذَا يَوْمُ يَنْفَع " وقد تقدَّم.
وقرأ أبو عمرو " نَنْفُخُ " مبنيّاً للفاعل بنون العظمة كقوله :" وَنَحْشُر " أسند الفعل إلى الأمر به تعظيماً للمأمور، وهو إسرافيل.
والباقُونَ مضمومة مفتوح الفاء على البناء للمفعول، والقائم مقام الفاعل الجار والمجرور بعده.
والعامة على إسكان الواو " في الصًّورِ ".
وقرأ الحسن وابن عامر بفتحها جمع صورة كغُرَف جمع غُرْفَة، وقد تقدم القول في الصُّور في الأنعام (وقرئ :" يَنْفُخَ، وَيَحْشُرُ " بالياء مفتوحة مبنياً للفاعل، وهو الله تعالى أو المَلَك).
وقرأ الحسن وحميد " يُنْفَخُ " كالجمهور، " ويَحْشُرُ " بالياء مفتوحة مبنياً للفاعل، والفاعل كما تقدم ضمير الباري أو ضمير الملك.
وروي
٣٨٢


الصفحة التالية
Icon