قوله :" يَوْمَئِذٍ " بدلٌ مما تقدم، أو منصوبٌ بما بعده " لاَ " عند من يجيز ذلك والتقدير : يومَ إذ يَتَّبِعُونَ لا تنفَعُ الشَّفَاعَةُ.
قوله :﴿إِلاَّ مَنْ أَذِنَ﴾ فيه أوجه : أحدها : أنه منصوب على المفعول به، والناصب له " تَنْفَعُ " و " مَنْ " حينئذ واقعة على المَشْفُوعِ له.
الثاني : أنَّه في محل رفع بدلاً من " الشَّفاعة "، ولا بدَّ من حذف مضاف تقديره : إلا شَفَعَةُ مَنْ أذِنَ لَه.
الثالث : أنه منصوب على الاستثناء من " الشفاعة " بتقدير المضاف المحذوف وهو استثناء متصل على هذا، ويجوز أن يكون استثناء منقطعاً إذا لم نقدر شيئاً وحينئذ يجوز أن يكون منصوباً وهي لغة الحجاز، أو مرفوعاً وهي لغة تميم، وكل هذه الأوجه واضحة.
(و " لَهُ " ) في الموضعين للتعليل كقوله :﴿قَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُوا ااْ﴾ [مريم : ٧٣] أي لأجله ولأجلهم.
٣٩٢
فصل المعنى :﴿لاَّ تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ﴾ أحداً من الناس ﴿إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَـانُ﴾ أي : إلا من أذن له الله أن يشفع له ﴿وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً﴾ أي رضي قوله.
قال ابن عباس : يعني قَالَ : لاَ إلَهَ إلاَّ الله.
وهذا يدل على أنه لا يشفع لغير المؤمنين.
وقالت المعتزلة : الفاسق غير مرضيٍّ عند الله، فوجب أن لا يشفع الرسول في حقه.
وهذه الآية من أقوى الدلائل على ثبوت الشفاعة في حق الفساق، (لأن قوله :﴿وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً﴾ يكفي صدقه أن يكون الله تعالى قد رَضِيَ له قولاً واحداً من أقواله)، والفاسق قد ارتضى الله من قوله شهادة أنْ لاَ إلهَ إلاَّ الله.
فوجب أن تكون الشفاعة نافعة له، لأن الاستثناء من النفي إثبات فإن قيل : إنَّه تعالى استثنى من ذلك النفي بشرطين : أحدهما حصول الإذن.
والثاني : أن يكون رَضِيَ له قولاً.
فهب أنَّ الفاسق قد حصل فيه أحد الشرطين، وهو أنه تعالى رضِيَ له قولاً، فلم قلتم : إنه أذن فيه ؟ فالجواب أنَّ هذا القيد كافٍ في حصول الاستثناء لقوله تعالى :﴿لاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى ﴾ [الأنبياء : ٢٨] فاكتفى هناك بهذا القيد.
ودلَّت هذه الآية على أنه لا بد من الإذن، فظهر من مجموعهما أنه إذا رضي له قولاً يحصل الإذن في الشفاعة، وإذا حصل القيدان حصل الاستثناء وتم المقصود.
قوله :﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ الضمير في قوله :" بَيْنَ أيْدِيهِمْ " عائد إلى الذين يتبعون الداعي.
ومن قال : إن قوله :﴿مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَـانُ﴾ المراد به الشافع (قال : الضمير عائد إليه)، والمعنى : لا تَنْفع شفاعة الملائِكة والأنبياء إلا لِمَن أذِنَ له الرحمن في أن
٣٩٣
يشفع من الملائكة.
ثم قال ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ يعني ما بين أيدي الملائكة كقوله في آية الكرسي، قاله الكلبي ومقاتل.
وفيه تقريع لمن يعبد الملائكة ليشفَعُوا له.
قال مقاتل : يعلم ما كان قبل أن يخلق الملائكة، وما كان بعد خلقهم.
ومن قال : الضمير عائد إلى الذين يتبعون الداعي قال :﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾ أي ما قدموا " وَمَا خَلْفَهُمْ " من أمر الدنيا قاله الكلبي.
وقال مجاهد :" مَا بَيْنَ أيْدِيهِمْ " من أمر الدنيا والأعمال " وَمَا خَلْفَهُمْ " من أمر الآخرة.
وقال الضحاك : يعلم ما مضى وما بقي ومتى تكون القيامة.
﴿وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً﴾ قيل : الكناية راجعة إلى " مَا " أي : هو يعلمُ ما بيْنَ أيديهم وما خلفهم، (ولا يعلمونه أي العباد لا يعلمون بما بين أيديهم وما خلفهم).
وقيل : الكناية راجعة إلى الله، أي عباده لا يحيطُون به علماً.
قوله : وَعَنَتِ الوُجُوهُ " يقال : عَنَا يَعْنُو إذا ذلَّ وخضع وأعناه غيره أي : أذلَّهن ومنه العُنَاة جمع عانٍ وهو الأسير، قال : ٣٦٩٢ - فَيَا رُبَّ مَكْرُوبٍ كَرَرْتُ وَرَاءَهُ
وَعَانٍ فَكَكْتُ الغُلَّ عظَنْهُ فَقَدْ أَبَى
جزء : ١٣ رقم الصفحة : ٣٨٨
وقال أمية بن أبي الصلت : ٣٦٩٣ - مَليكٍ عَلَى عَرْشِ السَّمَاءِ مُهَيْمِنٌ
لِعِزَّتِهِ تَعْنُو الوُجُوهُ وَتَسْجُدُ
وفي الحديث " فَإنَّهُنَّ عَوَان ".
والمعنى : أنَّ ذلك اليوم تُذَلُّ الوجوه أي :
٣٩٤


الصفحة التالية
Icon