و " مِن " داخلة عليه على حد دخولها على غيره من التمييزات لتعريفه.
قوله :" يَمْشُونَ " حال من " القُرونِ "، أو من مفعول " أَهْلَكْنَا " والضمير على هذين عائد على القرون المهلكة، ومعناه : إنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ وَهُمْ في حال أمنٍ وَمَشْيٍ وتقلُّب في حاجاتهم كقوله :﴿أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً﴾ [الأنعام : ٤٤] ويجوز أن يكون حالاً من الضمير في " لَهُمْ "، والضمير في " يَمْشُونَ " على هذا عائد على مَنْ عادَ عليه الضمير في " لَهُمْ " وهم المشركون المعاصرون لرسول الله - صلى الله عيله وسلم - والعامل فيها " يَهْدِ ".
والمعنى : إنَّكم تَمْشُون في مساكن الأمم السالفة وتتصرفون في بلادهم فينبغي أن تعتبروا لئلا يحلّ بكُم ما حلَّ بهم.
وقرأ ابن السميفع " يُمَشَّوْنَ " مبنيًّا للمفعول مضعفاً، لأنه لما تعدَّى بالتضعيف جاز بناؤه للمفعول.
فصل المعنى : أَو لَمْ نبيِّن القرآن أو مَا تقدم من المقادير لكفَّار مكة ﴿كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ﴾ ديارهم إذا سافَرُوا.
والخطاب لقريش كانوا يسافرون إلى الشام، فيروْنَ ديار المهلكين من أصحاب الحِجْر، وثَمُود، وقرى لوط ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لأُوْلِي النُّهَى ﴾ لذوي العقول.
ثم بيَّن تعالى الوجه الذي لأجله لا ينزل العذاب معجلاً على من كفر بمحمد - عليه السلام - فقال :﴿وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَكَانَ لِزَاماً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى﴾ (وفيه تقديم وتأخير)، والتقدير : ولولا كلمةٌ سبقت من ربك وأجل مسمى لكانَ لزاماً.
والكلمة في الحكم بتأخير العذاب عنهم أي : وَلَوْلاَ حكمٌ سبقت بتأخير العذاب عنهم " وَأَجَلٌ مًسَمًّى " هو القيامة، (وقيل : يَوْمَ بَدْر).
قوله :" وَأَجَلٌ مُسَمًّى " في رفعه وجهان :
٤٢١
أظهرهما : عطفه على " كَلِمَةٌ "، أي : ولوْلاَ أجلٌ مُسَمًّى لكان العذاب لزاماً لهم.
والثاني : جوَّزه الزمخشري، وهو أن يكون مرفوعاً عطفاً على الضمير المستتر، والضمير عائد على الأخذ العاجل المدلول عليه بالسياق، وقام الفصل بالخبر مقام التأكيد، والتقدير : ولوْلاَ كلمة سبقت من ربك لكان الأخذ العاجل وأجل مسمى لازمين لهم كما كانا لازمين لعادٍ وثمود، ولم ينفرد الجل المسمى دون الأخذ العاجل، فقد جعل اسم " كَانَ " عائداً على ما دلَّ عليه السياق، إلا أنَّه قد يشكل عليه مسألة وهي أنه قد جوَّز في (لزاماً) وجهين : أحدهما : أن يكونَ مصدرَ (لازم) كالخصام، ولا إشكال على هذا.
والثاني : أن يكون وصفاً على (فِعَال) بمعنى مُفْعِل أي : ملزم، كأنه ىلة اللزوم، لفرط لزومه، كما قالوا : لِزَازٌ خَصِمٌ، وعلى هذا فيقال : كان ينبغي أن يطابق في التثنية، فيقال : لزامين بخلاف كونه مصدراً فإنه يفرد على كل حال.
وجوَّز أبو البقاء أن يكون " لِزَاماً " جمع " لاَزِم " كقيام جمع قائِم.
٤٢٢
فصل والمراد انَّ أمة محمد - عليه السلام - وإن كذَّبُوا فسيؤخرون ولا يفعل بهم ما فعل بغيرهم من الاستئصال، وذلك لأنَّه عَلِم أن فيهم من يؤمن.
وقيل : علم أنَّ في نسلِهِم من يؤمن، ولو نزل بهم العذاب لعمهم الهلاك.
وقيل : المصلحة فيه خفية لا يعلمها إلا الله تعالى.
وقال أهل السنة : له بحكم المالكية أن يخص مَنْ يشاء بفضله ومَن شاء بعذابه من غير علة، إذ لو كان فعله لعلة لكانت تلك العلة إن كانت قديمة لزم قدوم الفعل، وإن كانت حادثة افتقرت إلى علة أخرى ولزم التسلسل.
ثم إنَّه تعالى لما أخبر نبيَّه بأنه لا يُهْلِكُ أحداً قبل استيفاء أجله أمره بالصبر فقال :﴿فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ﴾ أي من تكذيبهم النبوة، وقيل : تركهم القبول.
قال الكلبي ومقاتل : هذه الآية منسوخة بآية القتال.
ثم قال :﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ﴾ أي : صَلِّ بأمر ربك.
وقيل : صَلِّ لله بالحمْدِ له، والثناء عليه، ونظيره قوله تعالى :﴿وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ﴾ [البقرة : ٤٥].
قوله :" بِحَمْدِ رَبِّك " حال أي : وأنتَ حامدٌ لربِّك على أنه وفقك للتسبيح وأعانك عليه.
واختلفوا في التسبيح على قوليْن، فالأكثرون على أن المراد منه الصلاة وهؤلاء اختلفوا على ثلاثة أوجه : الأول : أنَّ المراد الصلوات الخمس، قال ابن عباس : دخلت الصلوات الخمس فيه، فـ ﴿قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ﴾ هو الفجر، وقيل ؛ " غروبها " الظهر والعصر، لأنهما جميعاً قبل الغروب ﴿وَمِنْ آنَآءِ الْلَّيْلِ فَسَبِّحْ﴾ يعني المغرب والعتمة، ويكون قوله :
٤٢٣


الصفحة التالية
Icon