" وَأطْرَافَ النَّهَار " كالتوكيد للصَّلاة بين الوقتين في طرفي النهار، وهما صلاة الفجر وصلاة المغرب، كما اختصت الوسطى بالتوكيد.
الثاني : أنَّ المرادَ الصلوات الخمس والنوافل، لأن الزمان إما أن يكون قبل طلوع الشمس أو قبل غروبها، فالليل والنهار داخليْن في هاتيْن العبادتين وأوقات الصلاة الواجبة دخلت فيها، ففي قوله :﴿وَمِنْ آنَآءِ الْلَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ﴾ للنوافل.
الثالث : أن المراد أربع صلوات، فقوله :﴿قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ﴾ للفجر " وَقَبْلَ غُرُوبِهَا " للعصر، ﴿وَمِنْ آنَآءِ الْلَّيْلِ﴾ المغرب والعتمة، بقي الظهر خارجاً.
وعلى هذا التأويل يمكن أن يستدل بهذه الآية على أن المراد بالصَّلاة الوُسْطى صلاة الظهر، لأن قوله :﴿حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ﴾ [البقرة : ٢٣٨] المراد به هذه الأربع، ثم أفرد الوسطى بالذكر، والتأسيس أوْلَى من التأكيد، والأول أولى.
هذا إذا حَمَلْنَا التسبيح على الصلاة.
وقال أبو مسلم : لا يبعد حمله على التنزيه والإجلال، والمعنى اشتغل بتنزيه الله تعالى في هذه الأوقات.
فإن قيل : النهار له طرفان، فكيف قال :" وَأَطْرَافَ النَّهَارِ " ؟ بل الأولى أن يقول كما قال :﴿وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ﴾ [هود : ١١٤].
فالجواب : من الناس من قال أقل الجمع اثنان فسقط السؤال ومنهم من قال : إنما جمع لأنه يكرر في كل نهار ويعود.
وقوله :﴿مِنْ آنَآءِ الْلَّيْلِ﴾ متعلق بـ " سَبِّحْ " الثانية.
قوله :" وَأَطْرَافَ " العامة على نصبه، وفيه وجهان : أحدهما : أنه عطف على محل ﴿وَمِنْ آنَآءِ الْلَّيْلِ﴾.
والثاني : انه عطف على " قَبْل ".
وقرأ السحن وعيسى بن عمر " وأطرافِ " بالجر عطفاً على " آناءِ اللَّيل " وقوله هنا " أطْرَافَ " وفي هود " طَرَفَيْ النَّهَارِ "، فقيل : هو من وضع الجمع موضع التثنية كقوله :
٤٢٤
٣٧٠١ - ظَهْرَاهُمَا مِثْلُ ظُهُورِ التُّرْسَيْن
جزء : ١٣ رقم الصفحة : ٤١٧
وقيل : هو على حقيقته، والمراد بالأطراف الساعات.
قوله :" تَرْضَى " قرأ الكسائي وأبو بكر عن عاصم " تُرْضَى " مبنيًّا للمفعول.
والباقون مبنيًّا للفاعل، وعليه ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ﴾ [الضحى : ٥] والمعنى : ترضى ما تنال من الشفاعة، أو ترضى بما تنال من الثواب على ضم التاء كقوله :﴿وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً﴾ [مريم : ٥٥].
جزء : ١٣ رقم الصفحة : ٤١٧
قوله :﴿وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ﴾ قيل : المراد منه نظر العين، وهؤلاء قالوا : مَدَّ النظر تطويله، وأن لا يكاد يرده استحساناً للمنظور وإعجاباً به، كما فعل نظارة قارون حيث قالوا :﴿يا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَآ أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ [القصص : ٧٩] حتى واجههم أولو العِلْم والإيمان فقالوا :﴿وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً﴾ [القصص : ٨٠] وفيه أن النظر غير الممدود يعفى عنه كنظر الإنسان إلى الشيء مرةً ثم
٤٢٥
يغض.
ولما كان النظر إلى الزخارف كالمركوز في الطبائع قيل :﴿وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ﴾ أي : لا تفعل ما أنت معتاد له.
ولقد شدد المتقون في وجوب غضِّ البصر عن ابنية الظلمة، ولباس الفسقة، ومراكبهم وغير ذلك، لأنهم اتَّخذوا هذه الأشياء لعيون النظارة، فالناظر إليها محصل لغرضهم، وكالمغرى لهم على اتخاذها.
قال أبو مسلم : ليس المنهي عنه هنا هو النظر بل هو الأسف، أي لا تأسف على ما فاتك مما نالوه من حظ الدنيا.
قال أبو رافع : نزل ضيفٌ بالرسول - عليه السلام - فبعثني إلى يهوديٍّ، فقال قل له : إن رسول الله يقول : يعني كذا وكذا من الدقيق، وأسلفني إلى هلال رجب، فأتيته، فقلت له ذلك، فقال : والله لا ابيعه ولا أسلفه إلا بهن، فأتيت رسول الله - ﷺ - فأخبرته بقوله فقال :" والله لَئِنْ باعَنِي و أسْلَفَنِي لقضيتُهُ، وَإنِّي لأَمشينٌ فِي السَّمَاءِ وَآمِينٌ فِي الأَرْضِ اذْهَبْ بِدِرْعِي الحديد إليه " فنزلت هذه الآية.
وقال عليه السلام :" إنَّ اللهَ لاَ يَنْظُرُ إلَى صُوَرِكُمْ وَلاَ إلَى أَمْوَالِكُمْ ولكِنْ يَنْظُرُ إلى قُلُوبِكُمْ وَأعْمَالِكُمْ ".
وقال أبو الدرداء : الدنيا دارُ مَنْ لا دارَ له، ومالُ مَنْ لا مالَ له، ولها يجمع من لا عقلَ له.
وعن الحسن : لَوْلاَ حمقُ الناس لخربت الدُّنيا.
وعن عيسى ابن مريم - عليه السلام - لا تَتَّخِذُوا داراً فتتخذكم لها عبيداً.
٤٢٦