يكن الله معهم فالفساد لازم.
ولما بطل حمله على الاستثناء ثبت ما ذكرنا.
وهو أن المعنى : لو كان في السماء والأرض آلهة غير الله لفسدتا، أي لخربتا، وهلك من فيهما بوجود التمانع من الآلهة، لأن كل أمر صدر عن اثنين فأكثر لم يجر على النظام.
ويدل العقل على ذلك من وجوه : الأول : أنا لو قدرنا إلهين لكان أحدهما إذا انفرد صح منه تحريك الجسم وإذا انفرد الثاني صح منه تسكينه، فإذا اجتمعا وجب أن يبقيا على ما كان عليه حال الانفراد، فعند الاجتماع يصح أن يحاول أحدهما التحريك والآخر التسكين فإما أن يحصل المرادان، وهو محال، وإما أن يمتنعا وهو أيضاً محال، لأنه يكون كل واحد منهما عاجزاً، وأيضاً المانع من تحصيل مراد كل واحد منهما مراد الآخر، والمعلول لا يحصل إلا مع علته، فلو امتنع المرادان لحصلا، وذلك محال وإما أن يمتنع أحدهما دون الثاني، وذلك أيضاً محال، لأن الممنوع يكون عاجزاً، والعاجز لا يكون إلهاً، ولأنه لما كان كل واحد منهما مستقلاً بالإيجاد لم يكن عجز أحدهما أولى من عجز الآخر، فثبت أن القول بوجود إلهين يوجب هذه الأقسام الفاسدة فكان القول به باطلاً.
الوجه الثاني : أن الإله يجب أن يكون قادراً على جميع الممكنات، فلو فرضنا الإلهين لكان كل واحد منهما قادراً على جميع الممكنات، فإذا أراد كل واحد منهما تحريك جسم فتلك الحركة إما أن تقع بهما معاً ولا تقع بواحد منهما أو تقع بواحد منهما أو تقع بأحدهما دون الثاني، والأول محال، لأن الأثر مع المؤثر المستقل واجب الحصول، ووجوب حصوله به يمنع من استناده إلى الاثني، فلو اجتمع على الأثر الواحد مؤثران مستقلان يلزم أن يستغني بكل واحد منهما عن كل واحد منهما، فيكون محتاجاً إليهما، وغنيَّا عنهما وهو محال، وإما أن لا يقع بواحد منهما ألبتة، فهذا يقتضي كونهما عاجزين، وأيضاً فامتناع وقوه بهذا إنما يكون لأجل وقوعه بذاك وبالضد، فلو امتنع وقوعه بهما معاً وهو محال، وإما أن يقع بأحدهما دون الثاني فهو باطل، لأن وقوعه بهما لوقع بهما معاً وهو محال، وإما أن يقع بأحدهما دون الثاني فهو باطل، لأن وقوعه بهذا يلزم فيه رجحان أحد الإلهين على الآخر من غير مرجح، وهو محال.
الوجه الثالث : لو قدرنا إلهين فإما أن يتفقا أو يختلفا، فإن اتفقا على الشيء الواحد فذلك الواحد مقدور لهما ومراد لهما فيلزم وقوعه بهما وهو محال، وإن اختلفا فإما أن يقع المرادان أو لا يقع واحد منهما، أو يقع أحدهما دون الآخر والكل محال، فثبت أن الفساد لازم على كل التقديرات.
وذكروا وجوهاً أخر عقلية وفي هذا كفاية.
٤٧١
ثم إنه تعالى نزه نفسه فقال :﴿فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾ أي : عما يصفه به المشركون من الشرك والولد.
فإن قيل : أي فائدة لقوله تعالى :﴿رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾.
فالجواب : أن هذه المناظرة وقعت مع عبدة الأصنام، وهي أنه كيف يجوز للعاقل أن يجعل الجماد الذي لا يعقل ولا يحس شريكاً في الإلهية لخالق العرش العظيم وموجد السموات والأرضين.
قوله :﴿لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ﴾ اعلم أن أهل السنة استدلوا على أنه تعالى لا يسأل عما يفعل بأمور : أحدها : أنه لو كان كل شيء معللاً بعلة كانت تلك العلة معللة بعلة أخرى ولزم التسلسل، فلا بد في قطع التسلسل من الانتهاء إلى ما يكون غنياً عن العلة، وأولى الأشياء بذلك ذات الله تعالى، وصفاته مبرأة من الافتقار إلى المبدع المخصص، فكذا فاعليته يجب أن يجب أن تكون مقدسة عن الاستناد إلى الموجب والمؤثر.
وثانيها : أن فاعليته لو كانت معللة بعلة لكانت تلك العلة إما أن تكون واجبة ممكنة، فإن كانت واجبة لزم من وجوبها وجوب كونها فاعلاً، وحينئذ يكون موجباً بالذات لا فاعلاً باختيار.
وإن كانت ممكنة كانت تلك العلة فعلاً لله تعالى فيفتقر فاعليته لتلك العلة إلى علة أخرى ولزم التسلسل وهو محال.
وثالثها : أن علة فاعلية الله تعالى للعالم إن كانت قديمة لزم أن تكون فاعليته للعالم قديمة، فيلزم قدم العالم وإن كانت محدثة افتقرت إلى علة أخرى ولزم التسلسل.
ورابعها : أنه إن فعل فعلاً لغرض فإما أن يكون متمكناً من تحصيل ذلك الغرض بدون تلك الواسطة، أو لا يكون متمكناً منه.
فإن كان متمكناً منه كان توسط تلك الواسطة عبثاً.
وإن لم يكن متمكناً منه كان عاجزاً، والعجز على الله تعالى محال، وأما العجز علينا فغير ممتنع، فلذلك كانت أفعالنا معللة بالأغراض وذلك في حق الله تعالى محال.
وخامسها : لو كان فعلاً معللاً بغرض لكان ذلك الغرض إما أن يكون عائداً إلى الله تعالى أو إلى العباد، والأول محال، لأنه منزه عن النفع والضر، وإذا بطل ذلك تعين أن الغرض لا بد وان يكون عائداً إلى العباد، ولا غرض للعباد إلا حصول اللذة وعدم حصول الآلام، والله تعالى قادر على تحصيلها ابتداء من غير واسطة، وإذا كان كذلك استحال أن يفعل شيئاً لأجل شيء.
٤٧٢