قال الأخفش :" السَّموات " نوع، والأرض نوع، ومثله :﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَن تَزُولاَ﴾ [فاطر : ٤١].
ومن ذلك : أصلحنا بين القومين، ومرت بنا غنمان أسودان، لأن هذا القطيع غنم، و " رَتْقَاً " خبر، ولم يثن لأنه في الأصل مصدر، ثم لك أن تجعله قائماً مقام المفعول، كالخلق بمعنى المخلوق أو تجعله على حذف مضاف أي : ذواتي رتق.
وهذه قراءة الجمهور.
وقرأ الحسن وزيد بن علي وأبو حيوة وعيسى " رَتَقاً " بفتح التاء وفيه وجهان :
٤٨٤
أحدهما : أنه مصدر أيضاً، ففيه الوجاهن المتقدمان في الساكن التاء.
والثاني : أنه فعل بمعنى مفعول كالقَبض والنَّفَض بمعنى المقبوض والمنقوض، وعلى هذا فكان ينبغي أن يطابق مخبره في التثنية.
وأجاب الزمخشري عن ذلك فقال : هو تقدير موصوف، أي : كانتا شيئاً رتقاً.
وقال المفضل : لم يقل : كانتا رتقين كقوله :﴿وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لاَّ يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ﴾ [الأنبياء : ٨] وحدّ " جسداً " كذلك ما نحن فيه كل واحد رتق.
ورجح بعضهم المصدرية بعدم المطابقة في التثنية، وقد عرف جوابه وله أن يقول : الأصل عدم حذف الموصوف، فلا يصار إليه دون ضرورة والرتق : الانضمام، ارتتق حلفه أي : انضم، وامرأة رتقاء أي : منسدة الفرج فلم يمكن جماعها من ذلك.
والفتق : فصل ذلك المرتتق.
وهو من أحسن البديع هنا حيث قابل الرتق بالفتق.
فصل قال ابن عبَّاس في رواية عكرمة والحسن وقتادة وسعيد بن جبير : كانتا شيءاً واحداً ملتزمين ففصل الله بينهما، ورفع السماء إلى حيث هي وأقر الأرض.
وهذا القول يوجب أن خلق الأرض مقدم على خلق السماء، لأنه تعالى لما فصل بينهما جعل الأرض حيث هي، وأصعد الأجزاء السماوية.
قال كعب : خلق الله السموات والأرض ملتصقتين، ثم خلق ريحاً توسطتهما ففتقتهما.
وقال مجاهد والسدي : كانت السموات مرتتقة طبقة واحدة
٤٨٥
ففتقها فجعلها سبه سموات، وكذلك الأرض مرتتقة طبقة واحدة ففتقها فجعلها سبع أرضين.
وقال ابن عباس في رواية عطاء وأكثر المفسرين : إن السموات كانت رتقاً مستوية صلبة لا تمطر، والأرض رتقاً لا تنبت، ففتق السماء بالمطر والأرض بالنبات، ونظيره قوله تعالى :﴿وَالسَّمَآءِ ذَاتِ الرَّجْعِ وَالأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ﴾ [الطارق : ١١، ١٢] ورجحوا ذلك الوجه بقوله بعد ذلك :﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَآءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾، وذلك لا يليق إلا وللماء تعلق بما تقدم، وهو ما ذكرنا فإن قيل : هذا الوجه مرجوح، لأن المطر لا ينزل من السموات بل من سماء واحدة، وهي سماء الدنيا.
فالجواب : إنما أطلق عليه لفظ الجمع، لأن كل قطعة منها سماء، كما يقال : ثوب أخلاق، وبُرْمَة أَعْشَار.
وعلى هذا التأويل فتحمل الرؤية على الإبصار.
وقال أبو مسلم : يجوز أن يراد بالفتق الإيجاد والإظهار كقوله :﴿فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾، وكقوله :﴿بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الَّذِي فطَرَهُنَّ﴾ [الأنبياء : ٥٦] فأخبر عن الإيجاد بلفظ الفتق، وعن الحال قبل الإيجاد بلفظ الرتق.
وتحقيقه أن العدم نفي محض، فليس فيه ذوات وأعيان متباينة بل كأنه أمر واحد متصل متشابه، فإذا وجدت الحقائق فعند الوجود والتكوين يتميز بعضها من بعض، وينفصل بعضها عن بعض.
فبهذا الطريق يحسن جعل الرتق مجازاً عن العدم، والفتق عن الوجود.
وقيل : إن الليل سابق النهار لقوله :﴿وَآيَةٌ لَّهُمُ الْلَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ﴾ [يس : ٣٧] فكانت السموات والأرض مظلمة أولاً ففتقها الله بإظهار النهار المبصر.
واعلم أن دلالة هذه
٤٧٦


الصفحة التالية
Icon