لأنه في معنى النار التي وعدوها قاله الزمخشري.
وفيه تكلّف.
وقرأ الأعمش :" بَلْ يَاْتِيهِمْ " بياء الغيبة " بَغْتَةٌ " بفتح الغين " فَيَبْهَتَهُمْ " بالياء أيضاً.
فأما الياء فأعاج الضمير على الحين أو على الوعد، وقيل : على " النَّار " وإنام ذكر ضميرها، لأنها في معنى العذاب، ثم راعى لفظ " النَّارِ " فأنث في قوله :" رَدَّهَا ".
وقوله " بَلْ تِأْتِيهِمْ " إضراب انتقال.
وقال ابن عطية :" بَلْ " استدراك مُقَدَّرٌ قبله نفيٌّ تقديره : إنَّ الآيات لا تأتي على حسب اقتراحهم.
وفيه نظر، لأنه يصير التقدير : لا تأتيهم الآيات على حسب اقتراحهم بل تأتيهم بغتة، فيكون الظاهر أن الآيات تأتي بغتة، وليس ذلك مراداً قطعاً.
وإن أراد أن يكون التقدير : بل تأتيهم الساعة أو النار، فليس مطابقاًُ لقاعدة الإضراب.
فصل لما بين شدة هذا العقاب بين أن وقت مجيئه غير معلوم لهم ﴿بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً﴾ وهم غير محتسبين ولا مستعدين " فَتَبْهَتهُمْ " أي : تدعهم حيارى واقفين ﴿لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً﴾ [النساء : ٩٨] في ردها، ﴿وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ﴾ أي لا يمهلون لتوبة أو معذرة.
وإنام لم يعلم المكلفين وقت الموت (والقيامة لما) فيه من المصلحة، لأن المرء مع كتمان ذلك أشد حذراً وأقرب إلى التلافي.
ثم ذكر الوجه الثاني في دفع الحزن عن قلب الرسول - عليه السلام - فقال :﴿وَلَقَدِ اسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ أي : عقوبة استهزائهم.
و " حَاقَ " وحَقّ بمعنى كزَالَ وزَلَّ، والمعنى : فكذلك يحيق بهؤلاء وبال استهزائهم.
٥٠٤
جزء : ١٣ رقم الصفحة : ٤٩٩
قوله تعالى :﴿قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم﴾ الآية لما بين أن الكفار في الآخرة ﴿لاَ يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ النَّارَ﴾ بسائر ما وصفهم به أتبعه بأنهم في الدنيا أيضاً لولا أن الله تعالى يحرسهم ويحفظهم لما بقوا في السلاكة، فقال لرسوله : طقُلْ " لهؤلاء الكفار الذين يستهزئون ويغترون بما هم عليه ﴿مَن يَكْلَؤُكُم بِالْلَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ وهذا كقول الرجل لمن حصل في قبضته ولا مخلص له منه : من ينصرك مني ؟ وهل لك مخلص ؟ والكلاءة : الحفظ، أي يحفظكم بالليل والنهار ﴿مِنَ الرَّحْمَـانِ﴾ إن نزل بكم عذابه.
يقال : كَلأَهُ الله يَكْلَؤُهُ كِلاَءَةٌ بالكسر كذا ضبطه الجوهري فهو كالئ ومكلوء.
قال ابن هرمة : ٣٧١٧ - إنَّ سُلَيْمَى وَاللهُ يَكْلَؤُهَا
ضَنَّتْ بِشَيءٍ مَا كَانَ يَزْرَؤُهَا
واكْتَلأْتُ منه : احترست، ومنه سُمِّيَ النبات كلأ، لأنَّ به تقوم بنية البهائم وتحرس.
ويقال : بلغ الله بك أكلأ العمر.
والمُكَلأُ موضع يحفظ فيه السفن.
وفي الحديث :" نَهَى عَنْ بَيْعِ الكَالِئ بَالكَالِئ " أي : بيع الدين بالدين كأنَّ كُلاًّ من رب الدينين بكلأ الآخر أي : يراقبه.
٥٠٥
(وقال ابن عباس : المعنى : مَنْ يمنعكم من عذاب الرحمن.
وقرأ الزهري وابن القعقاع " يَكْلُوكُمْ " بضمة خفية دون همز.
وحكى الكسائي والفراء " يَكْلَوْكُمْ " بفتح اللام وسكون الواو.
قال شهاب الدين : ولم أعرفها قراءة.
وهو قريب من لغة من يخفف أكلت الكلأ على الكلو وقفاً إلا أنه أجرى الوصل مجرى الوقف).
قوله :" مِنَ الرَّحمنِ " متعلق بـ " يَكْلَؤُكُمْ " على حذف مضاف أي من أمر الرحمن أو بأسه كقوله :﴿يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ﴾ [الرعد : ١١].
" وبِالَّيْلِ " بمعنى في الليل، وإنما ذكر الليل والنهار، لأن كل واحد من الوقتين آفات تختص به، والمعنى : من بحفظكم بالليل إذا نمتم وبالنهار إذا تصرفتم في معاشكم.
وخص ها هنا اسم الرحمن بالذكر تلقيناً للجواب حتى يقول العاقل أنت لكالئ يا إلهنا لكل الخلائق برحمتك كما في قوله :﴿مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ﴾ [الانفطار : ٦].
فخص اسم الكريم تلقيناً.
قوله :" بَلْ هُمْ " إضراب عما تضمنه الكلام الأول من النفي، إذ التقدير : ليس لهم كالئ ولا مانع غير الرحمن.
والمراد بـ " ذِكْرِ رَبِّهِمْ " القرآن ومواعظ الله " مُعْرِضُونَ " لا يتأملون في شيء منها ليعرفوا أنه لا كالئ لهم سواه، ويتركوا عبادة الأصنام التي لا تحفظهم ولا تنعم عليهم.
قوله :﴿أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ﴾ " أَمْ " منقطعة، أي بل ألهم ؟ فالميم صلة والمعنى : ألهم آلهة تمنعهم، وقد تقدم ما فيها.
وقوله :" من دُونِنَا " فيه وجهان :
٥٠٦


الصفحة التالية
Icon