أحدهما : أنه متعلق بـ " تَمْنَعُهُمْ " قبل، والمعنى : ألهم آلهة تجعلهم في منعة وعز، وإلى هذا ذهب الحوفي.
والثاني : أنه متعلق بمحذوف، لأنه صفة لـ " آلهة "، أي آلهة من دوننا تمنعهم، ولذلك قال ابن عباس إن في الكلام تقديماً وتأخيراً.
ثم وصف الآلهة بالضعف فقال :﴿لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ﴾ وهذا مستأنف لا محل له، ويجوز أن يكون صفة لـ " آلهة "، وفيه بعد من حيث المعنى.
قال ابن الخطيب :" لا يسطيعون " خبر مبتدأ محذوف، أي فهذه الآلهة لا تستطيع حماية أنفسها عن الآفات، وحماية النفس أولى من حماية الغير، فإذا لم تقدر على حمية نفسها فكيف تقدر على حماية غيرها.
قوله :﴿وَلاَ هُمْ مِّنَّا يُصْحَبُونَ﴾.
قال ابن عباس : يجاورون، تقول العرب : أنا لك جار وصاحب من فلان، أي مجير عنه.
وقال مجاهد : يُنْصَرُونَ.
وقال قتادة : لا يصحبون من الله بخير.
﴿بَلْ مَتَّعْنَا هؤلاء ﴾ الكفار " وَآبَاءَهُمْ " في الدنيا، أي أمهلناهم.
وقيل : أعطيناهم النعمة.
﴿حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ﴾ أي امتد بهم الزمان فاغتروا.
﴿أَفَلاَ يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَآ﴾ أي : أفلا يرى هؤلاء المشركون بالله المستعجلون بالعذاب آثار قدرتنا في أنا ننقص الأرض من جوانبها نأخذ الواحد بعد الواحد من المشركين ونفتح البلاد والقرى من حول مكة، ونزيدها في ملك محمد، أما كان لهم عبرة في ذلك فيؤمنوا برسول الله - ﷺ -.
﴿أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾ أم نحنـ وهو استفهام تقريع.
قال ابن عباس ومقاتل والكلبي :" نَنْقُصُهَا " بفتح البلدان.
وروي عن ابن عباس رواية أخرى : المراد نقصان أهلها.
وقال عكرمة : تخريب القرى وموت أهلها.
٥٠٧
وقيل : موت العلماء، وهذه الرواية إن صحت عن رسول الله - ﷺ - فلا يعدل عنها وإلا فالأظهر هاهنا ما يتعلق بالغلبة، ولذلك قال :﴿أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾.
قال القفال : نزلت هذه الآية في كفار مكة، فكيف يدخل فيها العلماء والفقهاء.
جزء : ١٣ رقم الصفحة : ٥٠٥
قوله :﴿قُلْ إِنَّمَآ أُنذِرُكُم بِالْوَحْيِ﴾ أي : أخوفكم بالقرآن وقوله :" وَلا يَسْمَعُ " قرأ ابن عامر هنا " وَلاَ تُسْمِعُ " بضم التاء للخطاب وكسر الميم، " الصُّمَّ الدُّعَاءَ " منصوبين.
وقرأ ابن كثير في النمل والروم.
وقرأ باقي السبعة بفتح ياء الغيبة بفتح ياء الغيبة والميم " الصُّمُّ " بالرفع " الدُّعَاءَ " بالنصب في جميع القرآن.
وقرأ الحسن كقراءة ابن عامر إلا أنه بياء الغيبة.
وروى عنه ابن خالويه " وَلاَ يُسْمَعُ " بياء الغيبة مبنياً للمفعول " الصُّمُّ " رفعاً " الدُّعَاءَ " نصباً.
وروي عن أبي عمرو بن العلاء " وَلاَ يُسْمِعُ " بضم الياء من تحت وكسر الميم " الصُّمَّ " نصباً " الدُّعَاءُ " رفعاً.
فأما قراءة ابن عامر وابن كثير فالفاعل فيها ضمير المخاطب، وهو الرسول - عليه السلام -.
فانتصب " الصُّمَّ " و " الدُّعَاءَ " على المفعولين، وأولهما هو الفاعل المعنوي.
٥٠٨
وأما قراءة الجماعة فالفعل مسند للصّمّ فانتصب " الدُّعَاءَ " مفعولاً به.
وأما قراءة الحسن الأولى فأسند الفعل فيها إلى ضمير الرسول - ﷺ - وهي كقراءة ابن عامر في المعنى.
وأما قراءته الثانية فأسند الفعل فيها إلى " الصُّمم " قائماً مقام الفاعل، فانتصب الثاني وهو " الدُّعَاءَ " وأما قراءة أي عمرو فإنه أسند الفعل فيها إلى الدعاء على سبيل الاتساع وحذف المفعول الثاني للعلم به، والتقدير : ولا يسمع الدعاء الصم شيئاً البتة ولما وصل أبو البقاء إلى هنا قال :" وَلاَ يَسْمَعُ " فيه قراءات وجوهها ظاهرة ولم يذكرها.
و " إذَا " في ناصبه وجهان : أحدهما : أنه " يَسْمَعُ ".
والثاني : أنه " لدّعاء " فأعمل المصدر المعرف بـ (أل) وإذا أعملوه في المفعول الصريح ففي الظرف أولى.
قال الزمخشري : فإن قلت : الصم لا يسمعون دعاء المبشّر كما لا يسمعون دعاء المنذر، فكيف قيل :﴿إِذَا مَا يُنذَرُونَ﴾ ؟ قلت : اللاّم في " الصُّم " عائدة إلى هؤلاء المنذرين كائنة للعهد لا للجنس، والأصل : ولا يسمعون إذا ما ينذرون، فوضع الظاهر موضع المضمر للدلالة على تصامّهم وسدهم أسماعهم إذا انذروا، أي أنتم على هذه الصفة من الجراءة والجسارة على التصامّ عن الإنذارات والآيات.
ثم بيَّن تعالى أن حالهم سيتغير إلى أن يصيروا بحيث إذا شاهدوا اليسير مما أنذروا به، فعنده يسمعون ويعتذرون ويعترفون حيث لا ينتفعون، وهذا المراد بقوله :﴿وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يا ويْلَنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ﴾ وأصل النفح من الريح : اللين.
قال الزمخشري : في المس والنفحة ثلاث مبالغات، لفظ المس، وما في النفح من معنى القلّة والنزار يقال : نفحته الدابة : رمحته رمحاً يسيراً.
والنفح : الخطرة.
قال ابن عباس :
٥٠٩