" نَفْخَةٌ " طرف.
وقيل : قليل : وقال ابن جريج : نصيب من قولهم : نفح فلان لفلان من ماله أي : أعطاه حظاً منه، قال : ٣٧١٨ - إِذَا رَيْدَةٌ مِنْ مَا نَفَحَتْ لَهُ
أَتَاهُ برَيَّاهَا خَليلٌ يُوَاصِلُهْ
جزء : ١٣ رقم الصفحة : ٥٠٨
وقيل : ضربة، من قولهم : نفحت الدابة برجلها، أي : ضربت.
و " مِنْ عَذَابِ " صفة لـ " نَفْحَةٌ ".
ثم بيّن تعالى أن جميع ما ينزل بهم في الآخرة لا يكون إلاّ عدلاً فيهم بقولهم :﴿لَيَقُولُنَّ يا ويْلَنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ﴾ أي : مشركين دعوا على أنفسهم بالويل بعد ما أقروا بالشرك.
قوله :﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ﴾ قال الزجاج : ذوات القسط، ووَضْعُها إحضارها.
(وإنما جمع " المَوَازِينَ " لكثرة من توزن أعمالهم، وهو جمع تفخيم.
ويجوز أن يرجع إلى الموزونات).
وفي نصب " القِسْطَ " وجهان : أحدهما : أنه نعت للموازين، وعلى هذا فلم أُفردَ ؟ وعنه جوابان : أحدهما : أنه في الأصل مصدر، والمصدر يوحّد مطلقاً.
واثاني : أنه على حذف مضاف.
الوجه الثاني : أنه مقعول من أجله أي : لأجل القسط، إلا أن في هذا نظراً، من حيث إن المفعول له إذا كان معرّفاً بـ (أل) يقل تجرّده من حرف العلة تقول : جئت للإكرام، ويقل : جئت الإكرام، كقوله :
٥١٠
٣٧١٩ - لاَ أَقْعُدُ الجُبْنَ عَنِ الهَيْجَاءِ
وَلَوْ تَوَالَتْ زُمَرُ الأَعْدَاءِ
وقرئ : القِصْطَ بالصاد، لأجل الطاء.
وقد تقدّم.
قوله :" لِيَوْمِ القِيَامَة " في هذه اللام أوجه : أحدها : قال الزمخشري : مثلها في قولك : جئت لخمس خلون من الشهر ومنه بيت النابغة : ٣٧٢٠ - تَوَهَّمْتُ آيَاتٍ فَعَرَفْتُهَا
لِسِتَّةِ أَعْوَامٍ وَذَا العَامِ سَابِعُ
والثاني : أنها بمعنى (في) وإليه ذهب بن قتيبة وابن مالك وهو رأي الكوفيين ومنه عندهم :" لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا " وكقول مسكين الدارمي : ٣٧٢١ - أُوْلَئِكَ قَوْمِي قَدْ مَضَوا لسبيلِهِمْ
كَمَا قَدْ مَضَى مِنْ قَبْل عَادٌ وَتُبَّعُ
وكقول الآخر :
٥١١
٣٧٢٢ - وَكُلَّ أب وابن وإن عمرا معاً
مقيمين مفقود لوقت وفاقد
والثالث : أنها على بابها من التعليل ولكن على حذف مضاف أي : لحساب يوم القيامة و " شَيْئاً " يجوز أن يكون مفعولاً ثانياً، وأن يكون مصدراً، لأي : شيئاً من الظلم.
فصل في وضع الموازين قولان : أحدهما : قال مجاهد : هذا مثل، والمراد بالموازين العدل، ويورى مثله عن قتادة والضحاك، والمراد بالوزن : القسط بينهم في الأعمال، فمن أحاطت حسناته بسيئاته ثقلت موازينه أي : ذهبت سيئاته وحسناته حكاه ابن جرير عن ابن عباس.
والثاني : أنَّ الموازين توضع حقيقة ويوزن بها الأعمال، " روي عن الحسن أنه ميزان له كفتان ولسان وهو بيد جبريل - عليه السلام - يروى " أنَّ داود - عليه السلام - سأل ربه أنْ يُرِيَهُ الميزان، فأراه كل كفة ما بين المشرق والمغرب فغشي عليه، ثم أفاق، فقال : إلهي من الذي يقدر أن يملأ كفته حسنات، فقال : يا داود إنّي إذا رضيت عن عد ملأتها بتمرة ".
وعلى هذا القول في كيفية وزن الأعمال طريقان : أحدهما : أن توزن صحائف الأعمال.
والثاني : أن يجعل في كفة الحسنات جواهر بيض مشرقة، وفي كفة السيئات جواهر سود مظلمة فإن قيل : أهل القيامة إمّا أن يكونوا عالمين بكونه - تعالى - عادلاً غير ظالم أو لا يعلمون ذلك.
فإن علموا كان مجرد حكمه كافياً في معرفة أنَّ الغالب هو الحسنات أو السيئات فلا قائدة في وضع الميزان.
وإن لم يعلموا ذلك لم تحصل الفائدة في وزن الصحائف، لاحتمال أنه جعل إحدى الصحيفتين أثقل أو أخف ظلماً، فلا فائدة في وضع الميزان على كلا التقديرين.
والجواب : قال ابن الخطيب : أما على قولنا ﴿لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ﴾ [الأنبياء : ٢٣] وأيضاً ففيه
٥١٢
ظهور حال الولي من العدو في مجمع الخلائق، فيكون لأحد القبيلين في ذلك أعظم السرور والأخرى أعظم الغم، ويكون ذلك بمنزلة نشر الصحف وغيره.
وإذا ثبت ذلك فالدليل على وجود الموازين الحقيقة أن حمل لفظ الميزان على مجرد العدل مجاز وصرف اللفظ عن الحقيقة إلى المجاز من غير دليل غير جائز لا سيما وقد جاءت الأحاديث الكثيرة بالأسانيد الصحيحة في ذلك.
قوله :﴿وَإِن كَانَ مِثْقَالَ﴾ قرأ نافع هنا وفي لقمان برفع " مِثْقَال " على أن " كَانَ " تامة، أي : وإنْ وجد مثقال.
والباقون بالنصب على أنها ناقصة واسمها مضمر، أي : وإنْ كان العمل.
و " مِنْ خَرْدَلٍ " صفة لـ " حَبَّةٍ ".
وقرأ العامة " أَتَيْنَا " من الإتيان بقصر الهمزة، وفيه أوجه : أصحها : أنَّه (فَاعَلْنَا) من المواتاة وهي المجازاة والمكافأة، والمعنى : جازينا بها، ولذلك تعدى بالباء.
الثاني : أنَّها (مفاعلة) من الإتيان بمعنى المجازاة والمكافأة، لأنهم أتوه بالأعمال وأتاهم بالجزاء، قاله الزمخشري.
٥١٣


الصفحة التالية
Icon