والثاني : أنها في محل نصب أيضاً صفة لـ " إبراهيم ".
قال الزمخشري : فإن قُلْتَ : ما حكم الفعلين بعد " سَمِعْنَا "، وما الفرق بينهما ؟ قلت : هما صفنان لـ " فَتًى " إلاَّ أنَّ الأول وهو " يَذْكُرُهُمْ " لا بدَّ منه لـ " سَمِع " لأنك لا تقول : سَمِعْتُ زَيْداً وتسكت حتى تذكر شيئاً مما يسمعن وأما الثاني فليس كذلك.
وهذا الذي قاله لا يتعين لما عرفت أن سمع إن تعلقت بما سمع نحو سمعت مقالة بكر فلا خلاف أنها تتعدى لواحد.
وإن تعلقت بما لا يسمع فلا يكتفى به أيضاً بلا خلاف بل لا بدّ من ذكر شيء يسمع، فلو قلت : سَمِعْتُ زَيْداً، وسكت، أم سَمِعْتُ زَيْداً يركب، لم يجز، فإن قلت : سمعته يقرأ صح، وجرى في ذلك خرف بين النحاة فأبو علي يجعلها متعدية لاثنين، ولا يتمشى عليه قول الزمخشري.
وغيره يجعلها متعدية لواحد، ويجعل الجملة بعد المعرفة حالاً وبعد النكرة صفة، وهذا أراد الزمخشري.
قوله :" إِبْرَاهِيمُ ".
في رفع " إِبْرَاهِيمُ " أوجه : أحدها : أنه مرفوع على ما لم يسم فاعله، أي : يقال له هذا اللفظ، وكذلك قال أبو البقاء : فالمراد الاسم لا المسمى.
وفي هذه المسألة خلاف بين النحويين أعني تسلط القول على المفرد الذي يؤدي معنى جملة ولا هو مقتطع من جملة، ولا هو مصدر لـ " قال "، ولا هو صفة لمصدره نحو : قلت زَيْداً، أي : قلت هذا اللفظ، فأجازه جماعة كالزجاجي والزمخشري وابن خروف وابن مالك، ومنعه آخرون.
وممن اختار رفع " إِبْرَاهِيمُ "
٥٢٨
على ما ذكرت الزمخشري وابن عطية.
أمَّا إذا كان المفرد مؤدياً معنى جملة كقولهم : قلت خطبة وشعراً وقصيدة أو اقتطع من جملة كقوله : ٣٧٢٩ - إذَا ذُقْتَ فَاهَا قُلْتَ طَعْمُ مُدَامةٍ
مُعَتَّقَةٍ مِمَّا يَجِيءُ بِهِ التُّجُرْ
جزء : ١٣ رقم الصفحة : ٥٢٢
أو كان مصدراً نحو قُلْتُ قَوْلاً، أو صفة له نحو : قُلْتُ حقاً أو باطِلاً، فإنه يتسلط عليه كذا قالوا.
وفي قولهم : المفرد المقتطع من الجملة نظر، لأنَّ هذا لم يتسلط عيله القول إنما تسلط على الجملة المشتملة عليه.
الثاني : أنه خبر مبتدأ مضمر، يقال له : هذا إبراهيم، أو هو إبراهيم.
الثالث : أنه مبتدأ محذوف الخبر، أي : يقال له إبراهيم فاعل ذلك.
الرابع : أنه منادى وحرف النداء محذوف أي : يا إبراهيم.
وعلى الأوجه الثلاثة فهو مقتطع من جملة، وتلك الجملة محكية بـ " يُقَالُ " وتقدم تحقيق هذا في البقرة عند قوله ﴿وَقُولُواْ حِطَّةٌ﴾ ][٥٨ رفعاً ونصباً وفي الأعراف عند
٥٢٩
قوله ﴿قَالُواْ مَعْذِرَةً﴾ [الأعراف : ١٦٤] رفعاً ونصباً.
والجملة من " " يُقَالُ لَهُ " يحتمل أن تكون مفعولاً آخر نحو ظننت زيداً كاتباً شاعراً.
وأن تكون على رأي الزمخشري ومن تابعه وأن تكون حالاً من " فَتًى " وجاز ذلك لتخصصها بالوصف.
جزء : ١٣ رقم الصفحة : ٥٢٢
فصل لما سمع بعض القوم قول إبراهيم - عليه السلام - ﴿تَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ﴾ وسمعوا سبّه لآلهتهم غلب على ظنهم أنه الفاعل لذلك، فلذلك قالوا :﴿سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ﴾ أي : يعيبهم ويسبهم ﴿يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ﴾، فهو الذي يظن أنه الذي صنع هذا.
فبلغ ذلك نمروذ الجبار، وأشراف قومه، فقالوا فيما بينهم ﴿فَأْتُواْ بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ﴾ قال نمروذ، أي : جيئوا به ظاهراً، أي بمرأى من الناس ﴿لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ﴾ عليه أنه الذي فعله.
قال الحسن وقتادة والسدي : كرهوا أن يأخذوه بغير بينةٍ.
وقال محمد بن إسحاق :﴿لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ﴾ أي : يحضرون عقابه فينزجروا عن الإقدام على مثله.
وقال
٥٣٠


الصفحة التالية
Icon