الكلبي ومقاتل : المراد مجموع الأمرين أي : يشهدون عليه عقابه.
قوله :﴿عَلَى أَعْيُنِ﴾ في محل نصب على الحال من الهاء في " بِهِ " أي : ائتوا به ظاهراً مكشوفاً بمرأى منهم ومنظر.
قال الزمخشري : فإنْ قُلْتَ " ما معنى الاستعلاء في :" عَلَى " ؟ قُلْتُ : هو وارد على طريق المثل، أي يثبت إتيانه على الأعين، ويتمكن ثبات الراكب على المركوب، وتمكنه منه.
قوله :﴿أَأَنْتَ فَعَلْتَ﴾.
في " ءَأَنْتَ " وجهان : أحدهما : أنه فاعل بفعل مقدر يفسره الظاهر بعده، والتقدير : أفعلت هذا بآلهتنا فلمّا حذف الفعل انفصل الضمير.
والثاني : أنه مبتدأ والخبر بعد الجملة.
والفرق بين الوجهين من حيث اللفظ واضح، فإنَّ الجملة من قوله " فَعَلْتَ " الملفوظ بها على الأول لا محل لها، لأنها مفسرة ومحلها الرفع على الثاني، ومن حيث المعنى أنّ الاستفهام إذا دخل على الفعل أشعر بأنَّ الشك إنما تعلق به (هل وقع أم لا ؟ من غير شك في فاعله.
وإذا دخل على الاسم وقع الشك فيه) هل هو الفاعل أم غيره ؟ والفعل غير مشكوك في وقوعه، بل هو واقع فقط.
فإذا قلت : أَقَامَ زَيْدٌ ؟ كان شكك في قيامه.
وإذا قلت : أَزَيْدٌ قَامَ ؟ وجعلته مبتدأ كان شكك في صدور الفعل منه أم من عمرو.
والوجه الأولى هو المختار عند النحاة، لأنَّ الفعل تقدم ما يطلبه، وهو أداة الاستفهام.
قوله :﴿بَلْ فَعَلَهُ﴾ هذا الإضراب عن جملة محذوفة تقديره : لم أفعله إنما الفاعل حقيقة الله تعالى، وإسناد الفعل إلى " كَبِيرُهُمْ " من أبلغ التعاريض.
قوله :" هَذَا " فيه ستة أوجه :
٥٣١
أحدها : أن يكونَ نعتاً لـ " كَبِيرُهُمْ ".
الثاني : أن يكون بدلاً من " كَبِيرُهُمْ ".
الثالث : أن يكون خبراً لـ " كَبِيرُهُمْ " على أنَّ الكلام يتم عند قوله " بَلْ فَعَلَهُ " وفاعل الفعل محذوف.
كذا نقله أبو البقاء، وقال : وهذا بعيد، لأنَّ حذف الفاعل لا يسوغ.
قال شهاب الدين : وهذا القول يعزى للكسائي، وحينئذ لا يحسن الرد عيله بحذف الفاعل فإنه يجيز ذلك، ويلزمه، ويجعل التقدير : بل فعله من فعله ويجوز أن يكون أراد بالحذف الإضمار، لأنه لمّا لم يذكر الفاعل لفظاً سمى ذلك حذفاً.
الرابع : أن يكونَ الفاعل ضمير " فَتًى ".
الخامس : أني كون الفاعل ضمير " إبْرَاهِيم ".
وهذان الوجهان يؤيدان أنَّ المراد بحذف الفاعل إنَّمَا هو الإضمار.
السادس : أن " فَعَلَهُ " ليس فعلاً، بل الفاء حرف عطف دخلت على " عَلَّ " التي أصلها " لَعَلَّ " حرف ترج وحذف اللام الأولى ثابت، فصار اللفظ " فَعَلَّهُ " أي : فَلعلّه، ثم حذف اللام الأولى وخففت الثانية.
وهذا يعزى للفراء وهو مرغوب عنه.
وقد استدل على مذهبه بقراءة ابن السميفع " فَعَلَّهُ " بتشديد اللام، وهي قراءة شاذة لا يرجع بالقراءة المشهورة إليها، وكأن الذي حملهم على هذا خفاء وجه صدور هذا الكلام من النبي - عليه السلام -.
٥٣٢
فصل اعلم أن القوم لمّا قالوا له ﴿أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَـذَا بِآلِهَتِنَا يا إِبْرَاهِيمُ﴾ طلبوا منه الاعتراف بذلك، ليقدموا على إيذائه، فقلب الأمر عليهم وقال :﴿بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَـاذَا﴾، وكان قد علق الفأس في رقبته، وأراد بذلك إقامة الحجة عليهم وإظهار جهلهم في عبادة الأوثان، وقال :﴿فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُواْ يِنْطِقُونَ﴾ واعلم أنّ للناس هاهنا قولان : الأول : قول كافة المحققين، وهو أنّ قول إبراهيم - عليه السلام - ﴿بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَـاذَا﴾ من قبيل التعريض، وهو من وجوه : أحدها : أنًّ قصد إبراهيم - عليه السلام - تقرير الفعل لنفسه على أسلوب تعريضيّ، وليس قصده نسبة الفعل إلى الصنم، وهذا كما لو قال صاحبك وقد كتبت كتاباً بخط رشيق، وأنت شهير بحسن الخط، ولا يقدر هو إلا على خرمشة فاسدة : أأنت كتبت هذا، فقلت له : بل كتبته أنت، وكأن قصدك بهذا تقريره لك كع الاستهزاء لا نفيه عنك وإثباته للأمي أو المخرمش، لأن إثباته والأمر دائر بينهما للعاجز منهما استهزاء وإثبات للقادر.
وثانيها : أنَّ إبراهيم - عليه السلام - غاظته تلك الأصنام حين أبصرها مصطفة، وكان غيظه من كبيرها أشد لما رأى من زيادة تعظيمهم له، فأسند الفعل إليه لأنه هو السبب في استهانته لها وحطمه لها، والفعل كما يسند إلى مباشره يسند إلى الحال عليه.
وثالثها : أن يكون حكاية لما يلزم عن مذهبهم كأنه قال لهم : ما تنكرون أن يفعله كبيرهم، فإنَّ حق من يُعْبَد، ويُدْعَى إلهاً أن يقدر على هذا أو أشد منه ذكر هذه الأوجه الثلاثة الزمخشري.
ورابعها : ما تقدم عن الكسائي أنه اكن يقف عند قوله " كَبِيرُهُمْ " ثم يبتدئ فيقول :﴿هَـذَا فَاسْأَلُوهُمْ﴾.
والمعنى : بل فعله كبيرهم، وعنى نفسه، لأنّ الإنسان أكبر من كل صنم، وأنه كناية عن غير مذكور، أي : فعله من فعله و " كَبِيرهُمْ " ابتداء كلام.
وخامسها : قال الطِّيبي معناه على التقديم والتأخير، أي بل فعله كبيرهم إن كانوا
٥٣٣