ينطقون فاسألوهم، فجعل النطق شرطاً للفعل إن قدروا على النطق قدروا على الفعل فأراهم عجزهم، وفي ضمنه أنا فعلت ذلك.
وسادسها : قراءة ابن السميفع المتقدمة.
والقول الثاني : قال البغوي : والأصح أن إبراهيم - عليه السلام - أراد بذلك الفعل إقامة الحجة عليهم فذلك قوله :﴿هَـذَا فَاسْأَلُوهُمْ﴾ حتى يخبروا من فعل ذلك بهم، لما " روي أبو هريرة عن رسول الله - ﷺ - أنه قال : لَمْ يَكْذِبْ إبْرَاهِيمُ إلا ثلاث كذبات ثنتان منهن في ذات الله، قوله :" إنِّي سَقِيمٌ "، وقوله :" بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا "، وقوله لسارة :" هذه أختي " وفي حديث الشفاعة قول إبراهيم - عليه السلام - " إنِّي كَذَبْتُ ثَلاَثَ كَذِبَاتٍ " والقائلون بهذا القول قدروه من جهة العقل وقالوا : الكذب ليس قبيحاً لذاته فإنَّ النبي إذا هرب من ظالم واختفى في دار إنسان فجاء الظالم وسأل عنه، فإنه يجب الكذب فيه، وإذا كان كذلك، فأي بُعْد في ان يأذن الله في ذلك لمصلحة لا يعلمها إلا هو كما أذن ليوسف - عليه السلام - حين أمر مناديه لإخوته :﴿أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ﴾ [يوسف : ٧٠] ولم يكونوا سرقوا.
قال ابن الخطيب : وهذا القول مرغوب عنه أما الخبر فلأن يضاف الكذب إلى رواته أولى من أن يضاف إلى الأنبياء، والدليل القاطع عليه أنه لو جاز أن يكذبوا لمصلحة ويأذن الله تعالى فيه فلنجر هذا الاحتمال في كل ما أخبروا عنه، وفي كل ما أخبر الله عنه، وذلك يبطل الوثوق بالشرائع، وتطرق المهمة إلى كلها، ثم لو صح ذلك الخب فهو محمول على المعاريض على ما قاله عليه السلام " إنَّ في المَعَارِيضِ لمندوحةً عن الكَذِبِ ".
٥٣٤
فأمّا قوله :" إني سَقِيمٌ " فلعله سقيم القلب كما يجيء في موضعه.
وأمّا قوله :" بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ " فقد ظهر الجواب عنه.
وأما قوله لسارة : هذه أختي، أي : في الدين.
وأما قصة يوسف - عليه السلام - فتقدم الكلام عليها.
قوله :﴿إِن كَانُواْ يِنْطِقُونَ﴾ جوابه محذوف لدلالة ما قبله، ومن جوَّز التقديم جعل " فَاسْألُوهُمْ " هو الجواب.
قوله :﴿فَرَجَعُوا ااْ إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا ااْ إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ﴾ فيه وجوه : الأول : أنَّ إبْراهيم - عليه السلام - لما نبههم على قبح طريقتهم بما أورده عليهم علموا أنَّ عبادة الأصنام باطلة، وأنهم على غرور وجهل في ذلك.
الثاني : قال مقاتل :﴿فَرَجَعُوا ااْ إِلَى أَنفُسِهِمْ﴾ فلاموها وقالوا :﴿إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ﴾ لإبراهيم حيث تزعمون أنه كسرها مع أن الفأس بين يدي الصنم الكبير.
الثالث : أنتم الظالمون لأنفسكم حيث سألتموه ختى إنه يستهزئ بكم في الجواب.
قوله :﴿ثُمَّ نُكِسُواْ عَلَى رُءُوسِهِمْ﴾ قرأ العامة :" نُكِسُوا " مبنياً للمفعول مخفف الكاف أي : نكسهم الله أو خجلهم.
و " عَلَى رُؤُوسِهِم " حال، أي : كائنين على رؤوسهم.
ويجوز أن يتعلق بنفس الفعل.
والنَّكْسُ والتَّنْكِيسُ : القلب، يقال :
٥٣٥
نَكَسَ رَأْسَهُ ونَكَّسَهُ مخففاً ومشدداً.
اي : طأطأه حتى صار أعلاه أسفله.
وقرأ أبو حيوة وابن أبي عبلة وابن الجارود وابن مقسم :" نُكِّسُوا " بالتشديد وقد تقدم أنه لغة في المخفف، فليس التشديد لتعدية ولا لتكثير.
وقرأ رضوان بن عبد المعبود :" نَكَسُوا " مخففاً مبنياً للفاعل، وعلى هذا فالمفعول محذوف تقديره : نكسوا أنفسهم على رؤوسهم.
فصل قال المفسرون : أجرى اله الحق على ألسنتهم في القول الأول ثم أدركتهم الشقاوة فهو معنى قوله :﴿ثُمَّ نُكِسُواْ عَلَى رُءُوسِهِمْ﴾ أي : ردوا إلى الكفر بعد أن أقروا على أنفسهم بالظلم.
وقيل : قلبوا على رؤوسهم حقيقة بفرط إطراقهم خجلاً وانكساراً وانخزالاً مما بهتهم إبراهيم، فلما أحاروا جواباً إلا ما هو حجة لإبراهيم - عليه السلام - حين جادلهم - فقالوا :﴿لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هؤلاء يَنطِقُونَ﴾ فأقروا بهذه الحجة التي لحقتهم.
قوله :﴿مَا هؤلاء يَنطِقُونَ﴾ هذه الجملة جاب قسم محذوف، والقسم وجوابه معمولان لقول مضمر، وذلك القول المضمر حال من مرفوع " نُكِسُوا " أي : نكسوا قائلين : والله لقد علمت.
قوله :﴿قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكُمْ شَيْئاً﴾ يجوز أن تكون " مَا " حجازية فيكون " هَؤُلاَءِ " و " يَنْطِقُونَ " في محل نصب خبرها.
أو تميمية فلا عمل لها.
والجملة المنفية بأسرها سادة مسد المفعولين إن كانت " عَلِمْت " على بابها، ومسد واحد إن كانت عرفانية.
قوله :﴿قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكُمْ شَيْئاً﴾ إن عبدتموه، ﴿وَلاَ يَضُرُّكُمْ﴾
٥٣٦


الصفحة التالية
Icon