قال : نعم، قم فاخرج، فقام يمشي حتى خرج منها.
قال له نمروذ : من الرجل الذي رأيته معك في صورتك قاعداً إلى جنبك ؟ قال : ذاك ملك الظل أرسله ربي ليؤنسني، فقال له نمروذ : إني مقرِّب إلى إلهك قرباناً لما رأيت من قدرته وعزته فيما صنع بك، وإنِّي ذابح له أربعة آلاف بقرة، فقال إبراهيم - عليه السلام - لا يقبل الله نمنك ما دمت على دينك هذا، قال نمروذ : لا أستطيع ترك ملكي ولكن سوف أذبحها له فذبحها ثم كف عن إبراهيم.
روي أن إبراهيم - عليه السلام - ألقي في النار وهو ابن ست عشرة سنة.
وإنما اختاروا المعاقبة بالنار، لأنها أقوى العقوبات.
وقيل : روي أن هاران أبا لوط قال لهم : إن النار لا تحرقه، لأنه سحر العقوبات.
وقيل : روي أن هاران أبا لوط قال لهم : إن النار لا نحرقه، لأنه سحر النار، وبكن اجعلوه على شيء وأوقدوا تحته، ففعلوا، فطارت شرارة في لحية أبي لوط فأحرقته.
قوله :" بَرْداً " أي : ذات برد.
والظاهر في " سَلاَماً " أنه نسق على " بَرْداً " فيكن خبراً عن " كوني ".
وجوَّز بعضهم أن ينتصب على المصدر المقصود به التحية في العرف وقد رُدَّ هذا بأنه لو قصد ذلك لكان الرفع فيه أولى، نحو قول إبراهيم :" سَلاَمٌ "، وهذا غير لازم، لأنه لا يجوز أن يأتي القرآن على الفصيح والأفصح، ويدل على ذلك أنه جاء مقصوداً، والمقصود به التحية نحو قول الملائكة :" قَالُوا سَلاَماً ".
وقوله " عَلَى إبْرَاهِيمَ " متعلق بنفس إن قصد به النحية.
ويجوز أن يكون صفة فيتعلق بمحذوف، وعلى هذا فيحتمل أن يكون قد حذف صفة الأول لدلالة صفة الثاني عليه تقديره : كوني برداً عيله وسلاماً عليه.

فصل قال أبو مسلم الأصفهاني في تفسير قولنا " قُلْنَا يَا نَارُ " المعنى : أنه سبحانه وتعالى


٥٤٠
جعل النار برداً وسلاماً لا أنَّ هناك كلاماً كقوله :﴿أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾ [يس : ٨٢] أي : يكونه.
واحتج عليه بأن النار جماد فلا يجوز خطابه.
والأكثرون على انه وجد ذلك القول، ثم هؤلاء قولان : أحدهما : قال السُّديِّ : القائل هو جبريل.
والثاني : قول الأكثرين إنَّ القائل هو الله تعالى، وهو الأقرب الأليق بالظاهر.
وقوله : النار جماد فلا يكون في خطابها فائدة.
فالجواب : لِمَ لا يجوز أن يكون المقصود من ذلك الأمر مصلحة عائدة إلى الملائكة.

فصل اختلفوا في كيفية برد النار.


فقيل : إن الله تعالى أزال ما فيها من الحرارة والإحراق، وأبقى ما فيها من الإضاءة والإشراق، والله على كل شيء قدير.
وقيل : إنه تعالى خلق في جسم إبراهيم كيفية مانعة من وصول النار إليه كما يفعل بخزنة جهنم في الآخرة، وكما أنه ركب بنية النعامة بحيث لا يضرها ابتلاع الحديدة المحماة، وبدن السمندل بحيث لا يضره المكث في النار.
وقيل : إنه خلق بينه وبين النار حائلاً يمنع من وصول أثر النار إليه.
قال المحققون : والأول أولى، لأنَّ ظاهر قوله :﴿يا نَارُ كُونِي بَرْداً﴾ أي نفس النار صارت باردة حتى سلم إبراهيم من تاثرها.
فإن قيل : الناؤ إن بقيت كما كانت، والحرارة جزء من مسمى النار، وامتنع كون النار باردة، فإذن يجب أن يقال : المراد من النار الجسم الذي هو أحد أجاء مسمى النار، وذلك مجاز فلم كان مجازكم أولى.
فالجواب : أن المجاز الذي ذكرناهخ يبقى معه حصول البرد وفي الذيب ذكرتم لا يبقى ذلك، فكان مجازنا أولى.
فصل معنى كون النار سلاماً على إبراهيم : أنَّ البرد إذا أفرط أهلك كالحر فلا بُدّ من الاعتدال، وهو من وجوه :
٥٤١


الصفحة التالية
Icon