قوله تعالى :﴿وَلُوطاً آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً﴾ الآية.
في الواو في قوله :" وَلُوطاً " قولان : أحدهما : قال الزجاج : إنَّه عطف على قوله " وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ ".
والثاني : قال أبو مسلم : إنه عطف على قوله ﴿آتَيْنَآ إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ﴾ [الأنبياء : ٥١] ولا بُدَّ من ضمير في قوله :" وَلُوطاً " كأنه قال : وآتينا لوطاً، فهو منصوب بفعل مقدر يفسره الظاهر بعده تقديره : وآتينا لوطاً آتيناه، فهي من الاشتغال والنصب في مثله هو الراجح، ولذلك لم يقرأ به لعطف جملته على جملة فعلية وهو أحد المرجحات.
٥٤٧
وقيل : إنَّ " لُوطاً " منصوب بـ (اذكر) لوطاً.
" آتَيْنَاهُ حُكْماً " أي : الحكمة، أو الفصل بين الخصوم بالحق، وقيل : النبوة " وَعِلْماً " قيل : أدخل التنوين على الحكم والعلم دلالة على علو شأن ذلك الحكم وذلك العلم.
قوله :﴿وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَة﴾ أي : من أهل، يدل على ذلك قوله :﴿إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ﴾ وكذلك أسند عمل الخبائث إليها، والمراد أهلها يريد سدوساً.
والخبائث صفة لموصوف محذوف أي : يعمل الأعمال لخبائث، كانوا يأتون الذكران في أدبارهم، ويتضارطون في أنديتهم مع أشياء أُخَر كانوا يعلمون من المنكرات ﴿إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ﴾ ﴿وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَآ﴾ قال مقاتل : الرحمة النبوة وقال ابن عباس والضحاك : إنَّها الثواب.
﴿إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾.
جزء : ١٣ رقم الصفحة : ٥٤٧
قوله تعالى :﴿وَنُوحاً إِذْ نَادَى مِن قَبْلُ﴾ الآية.
في نصب " نوحاً " وجهان : أحدهما : أنه منصوب عطفاً على " لوطاً " فيكون مشتركاً معه في عامله الذي هو " آتَيْنَاهُ " المفسر بـ " آتَيْنَاهُ " الظاهر، وكذلك ﴿وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ﴾ والتقدير : وَنُوحاً آتيناه حُكْماً وداود وسليمان آتيناهما حكماً، وعلى هذا فـ " إذْ " بدل من " نُوحاً " ومن " داود وسليمان " بدل اشتمال، وتقدم تحقيق مثل هذا في طه.
٥٤٨
الثاني : أنه منصوب بإضمار (اذكر)، أي : اذكر نوحاً وداود وسليمان أي : اذكر خبرها وقصتهم، وعلى هذا فيكون " إذْ " منصوبة بنفس المضاف المقدر، أي : خبرهم الواقع في وقت كان كيت وكيت.
وقوله :" مَنْ قَبْلُ " أي : من قبل هؤلاء المذكورين.
فصل المراد من هذا النداء : دعاؤه على قومه بالعذاب، ويدل على لك قوله :﴿أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ﴾ [القمر : ١٠]، وقوله :﴿رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً﴾ [نوح : ٢٦] ويؤكده قوله تعالى ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ﴾ " فَنَجَّيْنَاهُ "، يدل على ذلك أنَّ نداءه ودعاءه كان بأن ينجيه مما يلحقه من جهتهم من الأذى بسبب تكذيبهم وردهم عليه واتفق المحققون على أنَّ ذلك النداء كان بأمر الله، لأنَّه لو لم يكن بإذنه لم يؤمن أن يكون المصلحة أن لا يجاب إليه، فيصير ذلك سبباً لنقصان حال الأنبياء.
وقال آخرون : لم يكن مأذوناً له في ذلك.
قال أبو أمامة : لم يتحسر أحد من خلق الله كحسرة آدم ونوح - عليهما السلام - فحسرة آدم على قبول وسوسة إبليس، وحسرة نوح على دعائه على قومه فأوحى الله إليه أن دعوتك وافقت قدرتي قوله :﴿فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ﴾ المراد بالأهل هنا اهل دينه قال ابن عباس : المراد ﴿مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ﴾ من الغرق وتكذيبه قومه وقيل : لأنه كان أطول الأنبياء عُمراً وأشدَّهُمْ بلاءً، والكرب أشد الغم.
قوله :﴿وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ﴾ فيه أوجه : أحدها : أن يُضمن " نَصَرْنَاهُ " معنى منعناه وعصمناه، ومثله ﴿فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ﴾ [غافر : ٢٩] فلما تضمن معناه تعدى تعديته.
٥٤٩
والثاني أن (نصر) مطاوعه (انتصر) فتعدى تعدية ما طاوعه، قال الزمخشري هو نصر الذي نطاوعه انتصر، وسمعت هذيلاً يدعو على سارق اللهم انصرهم منه أي : اجعلهم منتصرين منه.
ولم يظهر فرق بالنسبة إلى التضمين المذكور فإن معنى قوله : منتصرين منه أي : ممتنعين أو معصومين منه.
الثالث : أن " مِنْ " بمعنى " عَلَى " أي : على القوم، (وقرأ أبي " ونَصَرْنَاهُ عَلَى القَوْمِ " ).
قال المبرد : ونصرناه من مكروه القوم.
قال تعالى :﴿فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ﴾ [غافر : ٢٩].
والمعنى منعناه من القوم الذين كذبوا بآياتنا أن يصلوا إليه بسوء ﴿إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ﴾ لتكذيبهم له وردهم عليه ﴿فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ فخلصه منهم بذلك.
جزء : ١٣ رقم الصفحة : ٥٤٨