قوله تعالى :﴿وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ﴾ الآية.
تقدم الكلام على الإعراب.
واعلم أَنَّ المقصود ذكر نعم الله على داود وسليمان، فذكر أولاً النعمة المشتركة بينهما ثم ذكر ما يخصّ كل واحد منهما من النعم.
أما النعمة المشتركة فهي قصة الحكومة، وهو أن الله زينهما بالعلم والفهم في قوله :﴿وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً﴾ قال أكثر المفسرين : المراد بالحرث الزرع.
وقال ابن مسعود وابن عباس : كان الحرث كرماً قد تدلت عناقيده.
﴿إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ﴾ أي رعته ليلاً فأفسدته ؛
٥٥٠
والنَّقْشُ : الرعي بالليل.
قاله ابن السكيت، وهو قول جمهور المفسرين.
والنَّفْشُ : الانتشار، ومنه ﴿كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ﴾ [القارعة : ٥] ونفشت الماشية أي : رعت ليلاً بغير راع، عكس الهَمَل وهو رعيها نهاراً بلا راع.
وعن الحسن : أنَّ النفش هو الرعي بلا راع كان أو نهاراً.
قوله :﴿وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ﴾ في الضمير المضاف إليه " حُكْم " أوجه : أحدها : أنه ضمير جمع يراد به المثنى، وإنما وقع الجمع موقع التثنية مجازاً، أو لن التثنية جمع وأقل الجمع اثنان، ويدل علىأنَّ المراد التثنية قراءة ابن عباس " لِحُكْمِهما " بصيغة التثنية.
الثاني : أنَّ المصدر مضاف للحاكمين والمحكوم عليه، فهؤلاء جماعة.
وهذا يلزم منه إضافة المصدر لفاعله ومفعوله دفعو واحدة، وهو إنما يضاف لأحدهما فقط.
وفيه الجمع بين الحقيقة والمجاز، فإن الحقيقة إضافة المصدر لفاعله، والمجاز إضافته لمفعوله.
الثالث : أنَّ هذا مصدر لا يراد به الدلالة على علاج، بل جيء به للدلالة على أنَّ هذا الحدث وقع وصدر كقولهم : له ذكاء الحكماء، وفهم فهم الأذكياء فلا ينحل بحرف مصدري وفعل، وإذا كان كذلك فهو مضاف في المعنى للحاكم والمحكوم له والمحكوم عيله، ويندفع المحذوران المذكوران.
قوله :" فَفَهَّمْنَاهَا ".
قرأ العامة " فَفَهَّمْنَاهَا " بالتضعيف الذي للتعدية، والضمير للمسألة أو للفتيا.
وقرأ عكرمة :" فَأَفْهَمْنَاهَا " بالهمزة عداه بالهمزة كما عدّاه العامة بالتضعيف.
٥٥١
فصل قال أكثر المفسرين : دخل رجلان على داود - عليه السلام - أحدهما : صاحب حرث والآخر صاحب غنم، فقال صاحب الحرث : إن غنم هذا دخلت في حرثي ليلاً فأفسدته، فلا يبق منه شيئاً، فقال داود : اذهب فإن الغنم لك.
فخرجا فمرا على سليمان، فقال : كيف قضى بينكما ؟ فأخبراه، فقال : لو وليت أمرهما لقضيت بغير هذا.
وروي أنه قال : غير هذا أرفق بالفريقين فأخبر بذلك داود، فدعاه، فقال : كيف تقضي، وروي أنه قال له : بحق النبوة والأبوة إلاّ أخبرتني بالذي هو أرفق بالفريقين، فقال : ادفع الغنم إلى صاحب الحرث ينتفع بدرها ونسلها وصوفها ومنافعها، ويبذر صاحب الغنم لصاحب الحرث مثل حرثه، فإذا صار الحرث كهيئته يوم أكل دفع إلى أهله، وأخذ صاحب الغنم غنمه، فقال داود : القضاء ما قضيت.
وقال ابن مسعود ومقاتل : إن راعياً نزل ذات ليلة بجنب كرم، فدخلت الأغنام الكرم وهو لا يشعر فأكلت القضبان، وأفسدت الكرم، فذهب صاحب الكرم من الغد إلى داود، فقضى له بالغنم، لأن لم يكن بين ثمن الكرم وثمن الأغنام تفاوت وذكر باقي القصة.
قال ابن عباس : حكم سليمان ذلك وهو ابن إحدى عشرة سنة وأما حكم الإسلام : أنّ ما أفسدت الماشية المرسلة بالنهار من مال الغير فلا ضمان على ربها، وما أفسدت بالليل ضمنه ربها، لأنَّ في عرف الناس أنَّ أصحاب الزروع يحفظونها بالنهار، والمواشي تسرح بالنهار، وترد بالليل إلى المراح.
" روى ابن محيصة أنّ ناقة لِلْبَرَاء بن عازِب حائطاً فَأَفْسَدَتْ، فقضى رسول الله - ﷺ - " أَنَّ على أَهْل الحَوَائِط حفظها بالنهار وأن ما أفسدت المواشي بالليل ضَامِنٌ على أهْلِهَا ".
٥٥٢


الصفحة التالية
Icon