في البيت، فتسور منها ودق الباب من داخل، فاستيقط وعاتب البواب، فقال : أما من قبلي فلم يأت، فانظر من أين أتيت، فقام إلى الباب فإذا هو مغلق كما أغلقه، وإذا الرجل معه في التي، فقال له : أتنام والخصوم ببابك.
فقال : أنت إبليس.
قال : نعم أعييتني في كل شيء ففعلت هذه الأفعال بك، فعصمك الله مني، فسمي ذا الكفل، لأنه تكفل بأمر فوقى به، وقيل غير ذلك.

فصل قال أبو موسى الأشعري ومجاهد : ذو الكفل لم يكن نبياً بل كان عبداً صالحاً.


وقال الحسن والأكثرون كان نبياً، وهو الأظهر، لأنه تعالى قرن ذكره بإسماعيل وإدريس، والغرض ذكر الفضلاء من عباده، فدلّ ذلك على نبوته، ولأن السورة ملقبة بسورة الأنبياء، ولأنَّ قوله :" دُو الكِفْلِ " يحتمل أن يكون لقباً، وأن يكون اسماً، والأولى أن يكون اسماً، لأنه أكثر فائدة من اللقب، وإذا ثبت ذلك، فالكِفْلُ هو النصيب، لقوله تعالى " يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَ ".
والظاهر أنّ الله تعالى سماه بذلك تعظيماً له، فوجب أن يكون الكفل هو كفل لاثواب، فسمي بذلك، لأن عمله وثواب عمله كان ضعف عمل غيره وضعف ثواب غيره، وقد كان في زمنه أنبياء على ما روي.

فصل قيل : إن ذا الكفل زكريا.


وقيل : يوشع.
وقيل : إلياس.
ثم قالوا : خمسة من الأنبياء - عليهم السلام - سماهم الله باسمين إسرائيل ويعقوب وإلياس وذا الكفل، وعيسى والمسيح، ويونس وذا النون، ومحمداً وأحمد.
قوله :" كُلّ مِنَ الصَّبِرِيْنَ " أي : على القيام بأمر الله، واحتمال الأذى في نصرة دينه.
﴿وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا﴾ قال مقاتل : الرحمة النبوة، وصيرهم إلى الجنة والثواب.
وقال آخرون : يتناول جميع أعمال البر.
٥٧٦
جزء : ١٣ رقم الصفحة : ٥٧٤
قوله :﴿وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً﴾ الآية.
" ذَا " بمعنى صاحب و " النون " الحوت.
ويجمع على نِينَان كحوت وحيتان والمراد بذي النون يونس - عليه السلام - وسمي بذلك، لأنَّ النون ابتلعه.
وقد تقدم أن الاسم إذا دار بين أن يكون مفيداً ولقباً فحمله على المفيد أولى خصوصاً إذا علمت الفائدة التي لذلك الوصف.
قوله :" مُغَاصِباً " حال من فاعل " ذَهَبَ " والمفاعلة هنا تحتمل أن تكون على بابها من المشاركة، أي : غاضب قومه وغاضبوه حين لم يؤمنوا في أول الأمر، وفي بعض التفاسير : مغاضباً لربه فإن صح ذلك عمن يعتبر قوله، فينبغي أن تكون اللام للتعليل لا التعدية للمفعول، أي : لأجل ربه ولدينه.
ويحتمل أن يكون بمعنى غضبان، فلا مشاركة كعاقبت وسافرت.
والعامة على " مُغَاضِباً " اسم فاعل.
وقرأ ألو شرف " مُغَاضِباً " بفتح الضاد على ما لم يسم فاعله كذا نقله أبو حيان.
ونقله الزمخشري عن أبي شرف " مُغْضباً " دون ألف من أغضبته فهو مغضب.
قوله :" أن لَّن " " أنْ " هذه المخففة، واسمها ضمير الشأن محذوف، و " لَنْ نَقْدِرَ " هو الخبر، والفاصل حرف النفي.
والمعنى : لن نضيق عليه كقوله :﴿فَقَدَرَ عَلَيْهِ
٥٧٧
رِزْقَهُ﴾
[الفجر : ١٦] ﴿وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ﴾ [الطلاق : ٧].
والعامة على " نَقْدِرَ " بنون العظمة مفتوحة وتخفيف الدال، والمفعول محذوف أي : الجهات والأماكن.
وقرأ الزهري بضمها وتشديد الدال.
وقرأ ابن أبي ليلى وأبو شرف والكلبي وحميد بن قيس ويعقوب " يُقْدَر " بضم الياء من تحت، وفتح الدال خفيفة مبنياً للمفعول.
وقرأ الحسن وعيسى بن عمر بفتح الياء وكسر الدال خفيفة وعلي بن أبي طالب واليماني بضم الياء وكسر الدال مشددة.
والفاعل على هذين الوجهين ضمير يعود على الله تعالى.
قوله :﴿لاَّ إِلَـاهَ إِلاَّ أَنتَ﴾ يجوز في " أَنْ " وجهان : أحدهما : أنها المخففة من الثقيلة فاسمها كما تقدم محذوف، والجملة المنفية بعدها الخبر.
والثاني : أنها تفسيرية، لأنَّها بعد ما هو بمعنى القول دون حروفه.
فصل معنى الآية : واذكر صاحب الحوت، وهو يونس بن متى " إذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً " قال ابن عباس : كان يونس وقومه يسكنون فلسطين، فغزاهم ملك وسبى منهم تسعة
٥٧٨


الصفحة التالية
Icon