ونصبه على الحال من ضمير الفاعل " تَقَطَّعُوا " كما تقدم.
ولم يتعرض له أبو البقاء في هذه السورة، وتعرض له في المؤمنين، فذكر فيه الأوجه المتقدمة، وزاد أنه قرئ " زُبْراً " بسكون الباء وهو بمعنى المضمومة.
قوله :﴿كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ﴾ توعدهم بأن هذه الفرق المختلفة إليه يرجعون فيحاسبهم ويجازيهم بأعمالهم، قال عليه السلام :" تفرقت بنو إسرائيل على إحدى وسبعين فرقة، فهلك سبعون وخلصت فرقة، وإن أمتي ستفترق على اثنتين وسبعين فرقة، تهلك إحدى وسبعون فرقة وتخلص فرقة، وقالوا : يا رسول الله من تلك الفرقة.
قال :" الجماعة الجماعة الجماعة " وبهذا الخبر بيّن أن المراد بقوله :﴿إِنَّ هَـاذِهِ أُمَّتُكُمْ﴾ الجماعة المتمسكة بما بينه الله تعالى في هذه السورة من التوحيد والنبوات، وأن قول الرسول في الناجية إنّها الجماعة ليس تعريفاً للفرقة الناجية، إذ لا فرقة تمسكت بباطل أو بحق إلا وهي جماعة من حيث العدد، ولهذا طعن بعضهم في صحة الخبر، فقال : إنْ أراد بالاثنين وسبعين فوقة أصول الأديان فلن يبلغ هذا القدر، وإن أراد الفروع فإنَّها تتجاوز هذا القدر إلى أضعاف ذلك.
وقيل أيضاً ضد ذلك، وهو أنها كلها ناجية إلا فرقة واحدة.
والجواب : قال ابن الخطيب : المراد ستفترق أُمتي في حال وليس فيه دلالة على افتراقها في سائر الأحوال، ولأنه لا يجوز أن يزيد وينقص.
جزء : ١٣ رقم الصفحة : ٥٩٠
قوله تعالى :﴿فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ الآية.
لمَّا ذَكَرَ أَمْرَ الأُمَّةِ وتفرقهم، وأنهم راجعون إلى حيث لا أمر إلا له أتبع ذلك بقوله :﴿فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ﴾ لا نجحد ولا نبطل سعيه.
والكفران مصدر بمعنى الكفر، قال : ٣٧٣٣ - رَأَيْتُ أُنَاسَاً لاَ تَنَامُ خُدُودُهُمْ
وَخَدِّي وَلاَ كُفْرَانَ لِلَّهِ نَائِمُ
و " لِسَعْيِهِ " متعلق بمحذوف، أي : نكفر لسعيه، ولا يتعلق بـ " كُفْرَانَ " لأنه يصير مطولاً، والمطول ينصب وهذا مبني.
والضمير في " لَهُ " يعود على السعي.
والمعنى : لا بطلان لثواب عمله، وهو كقوله :﴿وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً﴾ [الإسراء : ١٩].
فالكفران مثل في حرمان الثواب، والشكر مثل في إعطائه.
فقوله :" فَلاَ كُفْرَانَ " المراد نفي الجنس للمبالغة، أنَّ نفي الماهية يستلزم نفي جميع أفرادها.
ثم قال :﴿وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ﴾ أي : لسعيه كاتبون إمَّا في أم الكتاب، أو في الصحف التي تعرض يوم القيامة، والمراد من ذلك ترغيب العباد في الطاعات.
قوله تعالى :﴿وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ﴾ قرأ الأخوان وأبو بكر ورويت عن أبي عمرو "
٥٩٣
وَحِزْمُ " بكسر الحاء وسكون الراء وهما لغتان كالحِلّ والحَلاَل.
وقرأ ابن عباس وعكرمة " وحَرِمَ " بكسر الحاء وسكون الراء وفتح الميم على أنه فعل ماض وروي عنهما أيضاً وعن أبي العالية بفتح الحاء والميم وضم الراء بزنة كَرُم، وهو فعل ماض أيضاً.
(وروي عن ابن عباس أيضاً فتح الجميع وهو فعل ماض أيضاً).
وعن اليماني بضم الحاء وكسر الراء (مشددة وفتح الميم ماضياً مبنياً للمفعول.
وروى عكرمة بفتح الحاء وكسر الراء) وتنوين الميم.
فمن جعله اسماً ففي رفعه وجهان : أحدهما : أنه مبتدأ، وفي الخبر حينئذ ثلاثة أوجه : أحدها : قوله :" لا يَرْجِعُونَ " وفي ذلك حينئذ أربعة تأويلات : التأويل الأول : أن " لا " زائدة، والمعنى : وممتنع على قرية قدرنا إهلاكها لكفرهم رجوعهم إلى الإيمان إلى ان تقوم الساعة.
وممن ذهب إلى زيادتها أبو عمرو مستشهداً عليه بقوله تعالى :﴿مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ﴾ [الأعراف : ١٢] يعني أحد القولين.
التأويل الثاني : أنها غير زائدة، وأن المعنى : أنهم غير راجعين عن معصيتهم وكفرهم.
٥٩٤
التأويل الثالث : أنَّ الحرام قد يراد به الواجب، ويدل عليه قوله تعالى :﴿قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ﴾ [الأنعام : ١٥١] وترك الشرك ويدل عليه قول الخنساء : ٣٧٤٣ - وَإِنَّ حَرَاماً لا أَرَى الدَّهْرَ بَاكِيَاً
عَلَى شَجْوَةِ إلاَّ بَكَيْتُ عَلَى صَخْر
جزء : ١٣ رقم الصفحة : ٥٩٣