وقال قوم : لا يجوز طرح الواو، وجعلوا جواب ﴿حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ﴾ في قوله :" يَا وَيْلَنَا " يكون مجازاً لأنّ التقدير : حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج واقترب الوعد الحق قالوا يا ويلنا قد كنا في غفلة).
قوله :﴿فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ﴾ " إذَا " هنا للمفاجأة، و " هِيَ " فيها أوجه : أجودها : أن يكون ضمير القصة، و " شَاخِصَةٌ " خبر مقدم، و " أَبْصَارُ " مبتدأ مؤخر، والجملة خبر لـ " هِيَ "، لأنها لا تفسر إى بجملة مصرح بخبرها، وهذا مذهب البصريين.
الثاني : أن تكون " شَاخِصَةٌ " مبتدأ، و " أَبْصَارُ " فاعل سد مسد الخبر، وهذا يتمشى على رأي الكوفيين، لأن ضمير القصة يفسر عندهم بالمفرد العامل عمل الفعل فإنه في قوة الجملة.
الثالث : قال الزمخشري :" هِيَ " ضمير مبهم يوضحه الأبصار ويفسره كما فسر " الَّذِينَ ظَلَمُوا " " وَأَسَرُّوا ".
ولم يذكر غيره.
قال شهاب الدين : وهذا قول الفراء، فإنه قال في ضمير الأبصار : تقدمت لدلالة الكلام ومحيء ما يفسرها، وأنشد شاهداً على ذلك : ٣٧٣٧ - فَلاَ وَأَبِيهَا لا تَقُولُ خَلِيلَتِي
أَلاَ فَرَّ عَنِّي مَالِكُ بْنُ أَبِي كَعْبِ
جزء : ١٣ رقم الصفحة : ٥٩٣
الرابع : أن تكون " هِيَ " عماداً، وهو قول الفراء أيضاً قال : لأنه يصلح موضعها
٦٠١
هو، فتكون كقوله :﴿إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ﴾ [النمل : ٩] ومثله :﴿فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ﴾ [الحج : ٤٦] وأنشد : ٣٧٣٨ - بِثَوب ودينارٍ وشاة ودرهم
فَهَلْ هُوَ مَرْفُوع بِمَا هَاهُنَا رَاس
وهذا لا يتمشى إلا على أحد قولي الكسائي، وهو أنه يجيز تقدم الفصل مع الخبر المتقدم نحو : هو خير منك زيد.
الأصل زيد هو خير منك.
وقال أبو حيان : أجاز هو القائم زيد، على أنَّ زيداً هو المبتدأ، والقائم خبره، وهو عماد، وأصل المسألة : زيد هو القائم.
قال شهاب الدين : وفي التمثيل نظر، لأنّ تقديم الخبر هنا ممتنع لاستهوائهما في التعريف بخلاف المثال المتقدم.
فيكون أصل الآية الكريمة : فإذا أبصار الذين كفروا هي شاخصة، فلما قدم الخبر، " شَاخِصَة "، قدم معها العماد.
وهذا أيضاً إنما يجيء على مذهب من يرى وقوع العماد قبل النكرة غير المقارنة للمعرفة.
الخامس : أن تكون " هِيَ " مبتدأ وخبره مضمر، فيتم الكلام حينئذ على " هِيَ " ويبتدأ بقوله :" شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ "، والتقدير : فإذا هي بارزة، أي : الساعة بارزة أو حاضرة و " شَاخِصَةٌ " خبر مقدم، و " أَبْصَارُ " مبتدأ مؤخر.
ذكره الثعلبي.
٦٠٢
وهو بعيد جداً لتنافر التركيب، وهو التعقيد عند علماء البيان.
قوله :" يَا وَيْلَنَا " معمول لقول محذوف، أي : يقولون يَا وَيْلَنَا.
وفي هذا القول المحذوف وجهان : أحدهما : أنه جواب " حتى إذا " كما تقدم.
والثاني : في محل تصب على الحال من ﴿الَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ قاله الزمخشري.
قوله :﴿قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـاذَا﴾ يعني في الدنيا حيث كذبناه وقلنا : إنه غير كائن، بل كنا ظالمين أنفسنا بتلك الغفلة وتكذيب محمد، وعبادة الأوثان.
جزء : ١٣ رقم الصفحة : ٥٩٣
قوله :﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ﴾ أتى هنا بـ " مَا " وهي لغير العقلاء، لأنه متى اختلط العاقل بغيره يُخَيّر الناطق بين (مَا)، و " مَنْ).
وقرأ العامة :" حَصَبُ " بالمهملتين والصاد مفتوحة، وهو ما يحصب أي : يرمى في النار ولا يقال له حصب إلا وهو في النار، فأما قبل ذلك فهو حطب وشجر وغير ذلك.
وقيل : يقال له حصب قبل الإلقاء في الناء.
قيل : هو الحطب بلغة أهل اليمن.
وقال عكرمة : هو الحطب بالحبشية.
وقرأ ابن السميفع وابن أبي عبلة ورويت عن ابن كثير بسكون الصاد، وهو مصدر، فيجوز أن يكون واقعاً موقع المفعول،
٦٠٣
أو على المبالغة، أو على حذف مضاف.
وقرأ ابن عباس بالضاد معجمة مفتوحة أو ساكنة وهو أيضاً ما يرمى به في النار، ومنه المِخْضَبِ عُودٌ يُحَرَّك به النار لتوقد، وأنشد : ٣٧٣٩ - فَلاَ تَكُ في حَرْبِنَا مِحْضَباً
فَتَجْعَلَ قَوْمَكَ شَتَّى شُعُوبَا
وقرأ أمير المؤمنين وأبيّ وعائشة وابن الزبير " حَطَبُ " بالطاء، ولا أظنها إلا تفسيراً لا قراءة.
فصل المعنى " إِنَّكُمْ " أيُّهَا المشركون ﴿وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ﴾ يعني الأصنام " حَصَبُ جَهَنَّم " أي : وقودها، وهذا تشبيه.
وأصل الحصب الرمي، قال تعالى :﴿أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِباً﴾ [القمر : ٣٤] أي : ريحاً ترميهم بالحجارة.
قوله :﴿أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ﴾.
جوز أبو البقاء في هذه الجملة ثلاثة أوجه : أحداه : أن تكون بدلاً من " حَصَبُ جَهَنَّم ".
يعني : أن الجملة بدل من المفرد الواقع خبراً، وإبدال الجملة من المفرد إذا كان أحدهما بمعنى الآخر، جائز، إذ التقدير : إنكم أنتم لها واردون.
٦٠٤