والقراءات المذكورة في السجل كلها لغات فيه.
وقرأ الأخوان وحفص " لِلْكُتُبِ " جمعاً.
والباقون " لِلْكِتَابِ " مفرداً.
والرسم يحتملهما فالإفراد يراد به الجنس والجمع للدلالة على الاختلاف، والمعنى المكتوبات، أي : لما يكتب فيه من المعاني الكثيرة.
فيكون معنى طي السجل للكتابة، كون السجل ساتراً لتلك الكتابة ومخفياً لها، لأنّ الطي هو الدرج ضد النشر الذي يكشف.
قوله :" كَمَا بَدَأْنَا " في متعلق هذه الكاف وجهان : أحدهما : أنها متعلقة بـ " نُعِيدُهُ " و " مَا " مصدرية، و " بَدَأْنَا " صلتها، فهي وما في حيزها في محل جر بالكاف.
و " أَوَّلَ خَلْقٍ " مفعول " بَدَأْنَا "، والمعنى : نعيد أوّل خلق إعادة مثل بدأتنا له، أي : كما أبرزناه من العدم إلى الوجود نعيده من العدم إلى الوجود وإلى هذا نحا أبو البقاء فإنه قال : الكاف نعت لمصدر محذوف أي : نعيده عوداً كمثل بدئه.
وفي قوله : عوداً نظر إذ الأحسن أن يقول : إعادة.
والثاني : أنّها تتعلق بفعل مضمر.
قال الزمخشري : ووجه آخر، وهو أنْ ينتصب الكاف بفعل مضمر يفسره " نُعِيدُهُ " و " ما " موصولة، أي : نعيد مثل الذي بدأنا نعيده و " أَوَّلَ خَلْقٍ " ظرف لـ " بَدَأْنَا " أي : أول ما خلق، أو حال من ضمير الموصول الساقط من اللفظ الثابت في المعنى.
قال أبو حيَّان : وفي تقديره تهيئة " بَدَأْنَا " لأنْ ينصب " أَوَّلَ خَلْقٍ " على المفعولية وقطعه عنه من غير ضرورة تدعو إلى ذلك، وارتكاب إضمار (نعيد) مفسراً بـ " نُعِيدُهُ " وهذه عجمة في كتاب الله، وأما قوله : ووجه آخر وهو أن ينتصب الكاف بفعل مضمر يفسره " نُعِيدُهُ " فهو ضعيف جداً، لأنه مبني على أن الكاف اسم لا حرف، وليس مذهب الجمهور، وإنما ذهب إلى ذلك الأخفش، وكونها اسماً عند اسم لا حرف، وليس مذهب الجمهور، وإنما ذهب إلى ذلك الأخفش، وكونها اسماً عند البصريين مخصوص بالشعر.
٦١٥
قال شهاب الدين : كل ما قدره فهو جار على القواعد المنضبطة وقاده إلى ذلك المعنى الصحيح فلا مؤاخذة عليه، ويظهر ذلك بالتأمل لغير الفطن وأما " ما " ففيها ثلاثة أوجه : أحدها : أنها مصدرية.
والثاني : أنها بمعنى الذي.
وقد تقدم تقرير هذين.
والثالث : أنها كافة للكاف عن العمل كما في قوله :
٣٧٤١ - كَمَا النَّاسُ مَجْرومٌ عَلَيْهِ وجَارِم
جزء : ١٣ رقم الصفحة : ٦١٢
فيمن رفع (النَّاس) قال الزمخشري :" أوَّلَ خَلْق " مفعول نعيد الذي يفسره " نُعِيدُهُ " والكاف مكفوفة بـ " ما " والمعنى : نعيد أول الخلق كا بدأناه تشبيهاً للإعادة بالابتداء في تناول القدرة لها على السواء، فإنْ قُلْتَ : ما أول الخلق حتى يعيده كما بدأه قُلْتُ : أوله إيجاده من العدم، فكما أوجده أولاً من يعدم يعيده ثانياً من عدم.
وأما " أَوَّلَ خَلق " فيحصل فيه أربعة أوجه : أحدها : أنه مفعول " بَدَأْنَا ".
والثاني : أنه ظرف لـ " بَدَأْنَا ".
زالثالث : أنه منصوب على الحال من ضمير الموصول كما تقدم تقريره.
والرابع : أنه حال من مفعول " نُعِيدُهُ " قاله أبو البقاء، والمعنى : مثل أول خلقه
٦١٦
وأما تنكير " خَلقٍ " فدلالته على التفصيل، قال الزمخشري : فإن قُلْتَ : ما بال " خَلْق " منكراً.
قُلْتُ : هو كقولك : أول رجل جاءني، تريد أول الرجال، ولكنك وحدته ونكرته إرادة تفصيلهم رجلاً رجلاً، فكذلك معنى أول خلق بمعنى أول الخلائق، لأنّ الخلق مصدر لا يجمع.
قوله :" وَعْداً " منصوب على المصدر المؤكد لمضمون الجملة المتقدمة، فناصبه مضمر، أي : وعدنا ذلك وعداً.
فصل اختلفوا في كيفية الإعادة فقيل : إن الله يفرق أجزاء الأجسام ولا يعدمها ثم إنه بعيد تركيبها فذلك هو الإعادة.
وقيل : إنه تعالى يعدمها بالكلية، ثم إنه يوجدها بعينها مرة أخرى، وهذه الآية دالة على هذا الوجه ؛ لأنه تعالى شبه الإعادة بالابتداء، والابتداء ليس عبارة عن تركيب الأجزاء المتفرقة بل عن الوجود بعد العدم، فوجب أنْ تكون الإعادة كذلك.
واحتج الأولون بقوله تعالى :﴿وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ﴾ [الزمر : ٦٧] فدلّ هذا على أنّ السموات حال كونها مطويات تكون موجودة.
وبقوله تعالى :﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ﴾ [إبراهيم : ٤٨] وهذا يدلّ على أنَّ الأرض باقية لكنها جعلت غير الأرض.
فصل قال المفسرون : كما بدأناهم في بطون أمهاتهم عراة غرلاً كذلك نعيدهم يوم القيامة ﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ [الأنعام : ٩٤].
" روى ابن عباس عن النبي - ﷺ - قال :" إِنَّكُمْ تُحْشَرُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً " ثم قرأ ﴿كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ﴾.
يعني الإعادة والبعث.
وقيل : المراد حقاً علينا بسبب الإخبار عن ذلك وتعلق العلم بوقوعه وأن وقوع ما علم الله وقوعه واجب.
٦١٧