وقال الزمخشري : وهو غريب.
قال شهاب الدين : ولا غرابة فإن فعلى بضم الفاء كثير مجيئها في أوصاف المؤنثة نحو الرُّبَّى والحُبْلَى.
وجوَّز أبو البقاء فيه أن يكون محذوفاً من سكارى وكان من حق هذا القارئ أن يحرك الكاف بالفتح إبقاء لها على ما كانت عليه وقد رواها بعضهم كذلك عن الحسن.
وقرئ " ويَرَى الناسُ " بالياء من تحت، ورفع " النَّاسُ ".
وقرأ أبو زرعة في رواية " سَكْرَى " بالفتح " ومَا هُمْ بِسُكْرَى " بالضم.
وعن ابن جبير كذلك إلا أنه حذف الألف من الأول دون الثاني.
وإثبات السكر وعدمه بمعنى الحقيقة والمجاز، أي :﴿وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى ﴾ على التشبيه ﴿وَمَا هُم بِسُكَارَى ﴾ على التحقيق.
قال الزمخشري : فإن قلت : لم قيل أولاً : ترون، ثم قيل : ترى على الإفراد ؟ قلت : لأن الرؤية أولاً علقت بالزلزلة، فجعل الناس جميعاً رائين لها، وهي معلقة أخيراً بكون الناس على حال السكر، فلا بد أن يجعل كل واحد منهم رائياً لسائرهم.
فصل " روي أن هاتين الآيتين نزلتا بالليل في غزوة بني المصطلق، والناس يسيرون، فنادى رسول الله - ﷺ - فاجتمعوا حوله، فقرأهما عليهم، فلم يُرَ أكثر باكياً من تلك الليلة، فلما أصبحوا لم يحطوا السروج على الدواب ولم يضربوا الخيام ولم يطبخوا القدور، والناس بين باك وجالس حزين متفكر.
فقال عليه السلام :" أَتَدْرُونَ أَيَّ ذَلِكَ اليَوْم " ؟ قالوا : اللَّهُ وَرَسُولُه أَعْلَم.
قال :" ذَلِكَ يَوْم يَقُولُ اللَّهُ تَعَالى لآدم : قُمْ فَابعَثْ بَعْثَ النَّار مِنْ وَلَدِك، فَيَقُول آدَمُ : وَمَا بعث النَّارِ ؟ فيقُولُ اللَّهُ تعالى مِنْ كُلِّ ألْفٍ تِسْعمائةٍ وتسعة وتسعون إلى النَّارِ وَوَاحِدٌ إلى الجَنَّة، فَعِنْدَ ذَلِك يَشيْبُ الصَّغِيْر،
١٠
وتَضَعُ كُلُّ ذات حَمْلٍ حَمْلَهَا، وَترى النَّاسَ سُكَارَى وَما هُم بِسُكارى وَلَكِن عَذاب اللَّهِ شَدَيد " قال : فيقولون : وأَيُّنا ذِلكَ الواحِدُ فقال رَسُولُ اللَّهِ - ﷺ - :" تِسْعمائةٍ وتِسْعَةٌ وتِسْعُونَ مِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ ومنكُمْ وَاحِد ".
وفي رواية فقال رسول الله - ﷺ - :" يَسِّرُوا وسَدِّدُوا وقَارِبُوا فَإنَّ مَعَكُمْ خَلِيقَتَيْن مَا كَانَتَا في قَوْم إِلاَ كَثُروا يَأْجُوْجَ وَمَأْجُوْجَ " ثم قال :" إِنِّي لأَرْجُو أَنْ تَكُوْنُوا رُبْعَ أَهْلِ الجَنَّة " فكبَّرُوا وحَمَدُوا اللَّهَ، ثم قال :" إِنِّي لأرْجُوا أَنْ تَكُونوا نِصْفَ أَهْلِ الجَنَّة " فَكبَّرُوا وحَمَدُوا الله، ثم قال :" إِنِّي لأَرْجُو أَنْ تُكُونُوا ثُلُثَي أهلِ الجَنَّة، إِنَّ أَهْلَ الجَنَّةِ مائَة وعشرُونَ صَفّاً، ثَمَانُونَ مِنْ أُمتَّي وما المُسلمُونَ في الكُفَّار إلا كالشَّامَةِ في جنب البعير، أو كالشَّعرة البيضاء في الثور الأسود " ثم قال :" ويَدْخُلُ مِنْ أُمَّتي سَبْعُونَ ألْفاً الجَنَّة بِغَيْر حِسَاب " فقال عمر : سبعُونَ ألفاً.
فقال :" نَعَمْ وَمَعَ كُلِّ وَاحِدٍ سَبْعُونَ أَلْفاً " فقام عكاشة بن محصن وقال : يار سول اللَّهِ ادعُ اللَّهَ أن يجعلني منهم.
قال :" أَنْتَ مِنْهُم " فقام رجل من الأنصار وقال مثل قوله، فقال :" سبقك بها عكاشة ".
فخاض الناس في السبعين ألفاً، فأخبروا رسول الله - ﷺ - بما قالوا، فقال عليه السلام :" هم الذين لا يكذبون ولا يزنون ولا يسرقون ولا ينظرون وعلى ربهم يتوكلون ".
فصل معنى الآية قال ابن عباس :" تَذْهَلُ " تشغل، وقيل : تتنسى " كُلُّ مُرْضِعَةٍ " إذا شاهدت ذلك الهول وقد ألقمت المرضع ثديها نزعته من فيه لما يلحقها من الدهشة " عَمَّا أَرْضَعَتْ " أي عن إرضاعها أو عن الذي أرضعته، وهو الطفل، ﴿وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا﴾ أي تسقط ولدها التمام وغير التمام.
قال الحسن : وهذا يدل على أن الزلزلة تكون في الدنيا ؛ لأن بعد البعث لا يكون حبل.
قال القفال : ويحتمل أن يقال : إن من ماتت حاملاً أو مرضعة بعثت حاملاً ومرضعة تضع حملها من الفزع، ويحتمل أن يكون المراد من ذهول المرضعة ووضع الحامل على جهة المثل كما تأولوا قوله :﴿يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً﴾ [المزمل : ١٧].
١١