و ﴿وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى ﴾ من الخوف ﴿وَمَا هُم بِسُكَارَى ﴾ من الشراب.
وقيل : معناه كأنهم سكارى، ولكن ما أرهقهم من خوف عذاب الله هو الذي أذهب عقولهم.
فإن قيل : هل يحصل ذلك الخوف لكل أحد أو لأهل النار خاصة ؟ فالجواب : قال قوم إن الفزع الأكبر وغيره يختص بأهل النار، وإن أهل الجنة يحشرون وهم آمنون، لقوله :﴿لاَ يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ﴾ [الأنبياء : ١٠٣] وقيل : بل يحصل للكل ؛ لأنه سبحانه لا اعتراض عليه في شيء من أفعاله.
فصل احتجت المعتزلة بقوله ﴿إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ﴾ وصفها بأنها شيء مع أنها معدومة.
وبقوله تعالى :﴿إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة : ٢٠] فالشيء الذي قدر الله عليه إما أن يكون موجوداً أو معدوماً، والأول محال وإلا لزم كون القادر قادراً على إيجاد الموجود، وإذا بطل هذا ثبت أن الشيء الذي قدر الله عليه معدوم، فالمعدوم شيء (واحتجوا أيضاً بقوله تعالى :﴿وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذالِكَ غَداً إِلاَّ أَن يَشَآءَ اللَّهُ﴾ [الكهف : ٢٣ - ٢٤] أطلق اسم الشيء على المعدوم في الحال، فالمعدوم شيء).
وأجيب عن الأول أن الزلزلة عبارة عن الأجسام المتحركة.
وهي جواهر قامت بها أعراض، وتحقق ذلك في العدم محال، فالزلزلة يستحيل أن تكون شيئاً حال عدمها، فلا بد من التأويل، ويكون المعنى أنها إذا وجدت صارت شيئاً وهذا هو الجواب عن الباقي.
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٣
قوله :﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ﴾ الآية.
في النظم وجهان : الأول : أنه أخبر فيما تقدم عن أهل القيامة وشدتها، ودعا الناس إلى تقوى الله، ثم
١٢
ميز في هذه الآية قوماً من الناس الذين ذكروا في الأولى وأخبر عن مجادلتهم.
الثاني : أنه تعالى بيَّن أنه مع هذا التحذير الشديد بذكر زلزلة الساعة وشدائدها، قال :﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾.
قوله :" مَنْ يُجَادِلُ " يجوز أن تكون " مَنْ " نكرة موصوفة، وأن تكون موصولة، و " فِي اللَّهِ " أي : في صفاته، و " بِغَيْرِ عِلْمٍ " مفعول أو حال من فاعل " يُجَادِلُ " وقرأ زيد بن عليّ " وَيَتْبَع " مخففاً.
فصل قال المفسرون : نزلت في النضر بن الحارث، كان كثير الجدل، وكان يقول : الملائكة بنات الله والقرآن أساطير الأولين، وكان ينكر البعث، وإحياء من صار تراباً، ويتبع في جداله في الله بغير علم كل شيطان مريد.
والمَرِيد : المتمرد المستمر في الشر.
يريد شياطين الإنس، وهم رؤساء الكفار الذين يدعون من دونهم إلى الكفر.
وقيل : أراد إبليس وجنوده، قال الزجاج المريد والمارد : المرتفع الأملس.
يقال : صخرة مرداء، أي : ملساء.
ويجوز أن يستعمل في غير الشيطان إذا جاوز [حد] مثله.
قوله :﴿كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ﴾ قرأ العامة " كُتِبَ " مبنياً للمفعول، وفتح " أَنّ " في الموضعين.
وفي ذلك وجهان : أحدهما : أن " أَنَّه " وما في حيزه في محل نصب لقيامه مقام الفاعل، فالهاء في " عَلَيْه "، وفي " أَنَّه " تعودان على " من " المتقدمة.
و " مَنْ " الثانية يجوز أن تكون شرطية، والفاء جوابها، وأن تكون موصولة والفاء زائدة في الخبر لشبه المبتدأ بالشرط، وفتحت
١٣
" أن " الثانية، لأنها وما في حيزها في محل رفع خبر لمبتدأ محذوف تقديره : فشأنه وحاله أنه يضله، أو يقدر " فَأَنَّه " مبتدأ والخبر محذوف أي : فله أنه يضله.
الثاني : قال الزمخشري : ومن فتح فلأن الأول فاعل كتب، والثاي عطف عليه.
قال أبو حيان : وهذا لا يجوز ؛ لأنك إذا جعلت " فَأَنَّه " عطفاً على " أنه " بقيت " أنه " بلا استيفاء خبر، لأن " من تولاه " " من " فيه مبتدأة فإن قدرتها موصولة فلا خبر لها حتى تستقل خبراً لـ " أَنَّه "، وإن جعلتها شرطية فلا جواب لها، إذ جعلت " فأنه " عطفاً على " أنه ".
قال شهاب الدين : وقد ذهب ابن عطية إلى مثل قول الزمخشري فإنه قال : و " أنه " في موضع رفع (على المفعول الذي لم يسم فاعله.
و " أنه " الثانية عطف على الأولى مؤكد وهذا رد واضح.
وقرئ " كُتِبَ " مبنياً للفاعل، أي : كتب الله، فـ (أن) وما في حيزها في محل نصب) على المفعول به، وباقي الآية على ما تقدم.
وقرأ الأعمش والجعفي عن أبي عمرو " إنه، فإنه " بكسر الهمزتين.
وقال ابن عطية : وقرأ أبو عمرو " إنه، فإنه " بالكسر فيهما وهذا يوهم أنه مشهور
١٤