عنه، وليس كذلك.
وفي تخريج هذه القراءة ثلاثة أوجه، ذكرها الزمخشري : الأول : أن يكون على حكاية المكتوب كما هو، كأنه قيل : كتب عليه هذا اللفظ، كما تقول : كتب عليه إن الله هو الغني الحميد.
الثاني : أن يكون على إضمار قيل.
الثالث : أن " كتب " فيه معنى قيل.
قال أبو حيان : أمّا تقديره قيل يعني فيكون " عليه " في موضع مفعول ما لم يسم فاعله، و " أَنَّهُ مَنْ تَوَلاَّه " الجملة مفعول لم يسم لقيل المضمر، وهذا ليس مذهب البصريين فإن الجملة عندهم لا تكون فاعلاً فلا تكون مفعول ما لم يسم فاعله.
وكان أبو حيان قد اختار ما بدأ به الزمخشري أولاً، وفيه ما فَرَّ منه وهو أنه أسند الفعل إلى الجملة فاللازم مشترك، وقد تقدم تقرير مثل هذا في أول البقرة.
ثم قال : وأما الثاني يعني أنه ضمن " كُتِبَ " معنى القول -، فليس مذهب البصريين، لأنه لا تكسر " أن " عندهم إلا بعد القول الصريح، لا ما هو بمعناه.
والضميران في " عَلَيه " و " أَنَّه " عائدان على " مَنْ " الأولى كما تقدم، وكذلك الضمائر في " تَوَلاَّه " و " فَأَنَّه " والمرفوع في " يضله ويهديه " لأن من الأولى هو المحدث عنه والضمير المرفوع في " تولاه " والمنصوب في " يضله ويهديه " عائد على " من " الثانية.
وقيل : الضمير في " عليه " لـ " كُلَّ شَيْطَانٍ "، والضمير في " فَأَنَّه " للشأن.
١٥
وقال ابن عطية : الذي يظهر لي أن الضمير الأول في " أنه " يعود على " كُلَّ شَيْطَانٍ " وفي " فأنه " يعود على " من " الذي هو المتولى.
فصل قيل : معنى " كُتِبَ عَلَيْه " مثل، أي : كأنما كتب إضلال من يتولاه عليه لظهور ذلك في حاله.
وقيل : كتب عليه في أم الكتاب.
واعلم أن هذا الكلام يحتمل أن يكون راجعاً إلى " مَنْ يُجَادِلُ "، وأن يرجع إلى الشياطين.
فإن رجع إلى " مَنْ يُجَادِلُ " فإنه يرجع إلى لفظه الذي هو موحد فكأنه قال : كتب : من يتبع الشيطان أضله عن الجنة وهداه إلى النار، وذلك زجر منه، فكأنه قال : كتب على من هذا حاله أن يصير أهلاً لهذا الوعد.
وإن رجع إلى الشيطان كان المعنى ويتبع كل شيطان مريد قد كتب عليه أنه من يتولاه فهو ضال.
وعلى هذا الوجه أيضاً يكون زجراً عن اتباعه.
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ١٢
قوله تعالى :﴿ يا أيها النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ﴾ الآية.
لما حكى عنهم الجدال بغير علم في إثبات الحشر والنشر، وذمَّهم عليه، ألزمهم الحجة، وأورد الدلالة على صحة ذلك من وجهين : أحدهما : الاستدلال بخلقة الحيوان أولاً، ثم بخلقة النبات ثانياً، وهذا موافق لما أجمله في قوله :﴿قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِى أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ [يس : ٧٩].
فكأنه تعالى قال :﴿فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ [الإسراء : ٥١] أي شك من البعث ففكروا في خلقتكم الأولى لتعلموا أن القادر على خلقكم أولاً قادر على خلقكم ثانياً.
١٦
قوله :" مِنَ البَعْثِ ".
يجوز أن يتعلق بـ " رَيْبٍ " ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أنه صفة لـ " ريب ".
وقرأ الحسن " البَعَثِ " بفتح العين، وهي لغة كالطَّرَدِ والحَلَبِ في الطَّرْد والحَلْب بالسكون.
قال أبو حيان : والكوفيون إسكان العين عندهم تخفيف فيما وسطه حرف حلق كالنَّهْر والنَّهَر، والشَّعْر والشَّعَر، والبصريون لا يقيمونه، وما ورد من ذلك هو عندهم مما جاء فيه لغتان.
وهذا يوهم ظاهره أن الأصل : البعث - بالفتح - وإنما خفف، وليس الأمر كذلك وإنما محل النزاع إذا سمع الحلقي مفتوح العين هل يجوز تسكينه أم لا ؟ لا أنه كلما جاء ساكن العين من ألحقها يدعي أن أصلها بالفتح كما هو ظاهر عبارته.
قوله :﴿فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ﴾ أي : خلقنا أصلكم وهو آدم من تراب نظيره قوله :﴿كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ﴾ [آل عمران : ٥٩] وقوله :" مِنْهَا خَلَقْنَاكُم ".
ويحتمل أن خلقة الإنسان من المني ودم الطمث وهما إنما يتولدان من الأغذية، والأغذية إما حيوان أو نبات وغذاء الحيوان ينتهي إلى النبات قطعاً للتسلسل والنبات إنما يتولد من الأرض والماء فصحّ قوله :﴿إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ﴾.
فصل قال النووي في التهذيب : التراب معروف ؛ والمشهور الصحيح الذي قاله الفراء والمحققون أنه جنس لا يثنى ولا يجمع.
ونقل أبو عمر الزاهد في شرح الفصيح
١٧