عن المبرد أنه قال : هو جمع واحدته ترابة، والنسبة إلى التراب ترابي.
وذكر النحاس في كتابه صناعة الكتاب : في التراب خمس عشرة لغة فقال يقال : تراب وتَوْرب على وزن جعفر، وتَوْرَاب، وتَيْرب - بفتح أولهما - والإِثلب والأَثلَب الأول بكسر الهمزة واللام، والثاني بفتحهما، والثاء مثلثة فيهما ومنه قولهم : بفيه الأثلب، وهو الكَثْكَث - بفتح الكافين وبالثاء المثلثة المكررة، والكثكث - بكسر الكافين - والدِّقعِم - بكسر الدال والعين - والدَّقعاء بفتح الدال والمد، والرَّغام - بفتح الراء والغين المعجمة - ومنه : أرغم الله أنفه، أي : ألصقه بالرغام وهو البرا مقصور مفتوح الباء الموحدة كالعصا، والكِلْخِم بكسر الكاف والخاء المعجمة وإسكان اللام بينهما، والكِلْخ بكسر الكاف واللام وإسكان الميم بينهما والخاء أيضاً معجمة، والعِثْير بكسر العين المهملة وإسكان الثاء المثلثة وبعدها مثناة من تحت مفتوحة.
قوله :﴿ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ﴾ والنطفة اسم للماء القليل، أي ماء كان، وهو هنا ماء الفحل، وجمعها نطاف، فكأنه سبحانه يقول : أنا الذي قلبت ذاك التراب اليابس ماء لطيفاً مع أنه لا مناسبة بينهما.
والمراد من الخلق من النطفة الذرية.
قوله :﴿ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ﴾ والعلقة قطعة الدم الجامدة، وجمعها عَلَق ولا شك أن بين الماء وبين الدم الجامد مباينة شديدة.
وعن بعضهم وقد سئل عن أصعب الأشياء فقال : وقع الزلق على العلق، أي : على دم القتلى في المعركة.
قوله :﴿ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ﴾ المُضْغَة : القطعة من اللحم قدر ما يمضغ نحو الغُرْفَة، والأكْلَة بمعنى المغروفة والمأكولة.
١٨
قوله :﴿مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ﴾ العامة على الجر في " مُخَلَّقةٍ " وفي " غَيْر " على النعت.
وقرأ ابن أبي عبلة بنصبهما على الحال من النكرة، وهو قليل جداً، وإن كان سيبويه قاسه.
والمُخَلَّقَة : الملساء التي لا عيب فيها من قولهم : صخرة خلقاء، أي : ملساء وخَلَّقْتُ السواك : سوَّيْتُه ومَلَّسْتُه.
وقيل : التضعيف في " مُخَلَّقَةَ " دلالة على تكثير الخلق ؛ لأن الإنسان ذو أعضاء متباينة وخلق متفاوتة.
قاله الشعبي وقتادة وأبو العالية وقال ابن عباس وقتادة :" مُخَلَّقة " تامة الخلق، و " غير مخلقة " أي ناقصة الخلق.
وأبو مجاهد : مصورة وغير مصورة، وهو السقط.
وقيل : المُخَلَّقَة من تمت فيه أحوال الخلق، وغير المخلقة من لم يتم فيه أحوال الخلق قاله قتادة والضحاك.
وقيل : المُخَلَّقة الولد الذي تأتي به المرأة لوقته، وغير المخلقة السقط.
وروى علقمة عن ابن مسعود قال :" إن النطفة إذا استقرت في الرحم أخذها ملك بكفه، وقال : أي رب مخلقة أو غير مخلقة، فإن قال : غير مخلقة قذفها في الرحم دماً ولم يكن نسمة، وإن قال : مخلقة، قال الملك : أي رب أذكر أم أنثى أشقي أم سعيد، ما الأجل ما العمل ما الرزق وبأي أرض تموت ؟ فيقال له : اذهب إلى أم الكتاب فإنك تجد فيها كل ذلك، فيذهب فيجدها في أم الكتاب فينسخها فلا يزال معه حتى يأتي على آخر صفته ".
قوله :" لِنُبَيِّنَ لَكُم " أي : لنبين لكم كمال قدرتنا وحكمتنا في تصريف أطوار خلقكم لتسدلّوا بقدرته في ابتداء الخلق على قدرته على الإعادة وقيل : لنبين لكم أن تغيير الصفة والخلقة هو اختيار
١٩
من الفاعل المختار، ولولاه لما صار بعضه مخلقاً وبعضه غير مخلق وقيل : لنبين لكم ما تأتون وما تذرون وما تحتاجون إليه في العبادة.
قوله :﴿وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَآءُ﴾ على رفع " وَنُقِرُّ "، لأنه مستأنف، وليس علة لما قبله فينصب نسقاً على ما تقدم.
وقرأ يعقوب، وعاصم في رواية بنصبه.
قال أبو البقاء : على أن يكون معطوفاً في اللفظ والمعنى مختلف، لأن اللام في " لِنُبَيِّنَ " للتعليل واللام المقدرة مع " نُقِرُّ " للصيرورة.
وفيه نظر، لأن قوله : معطوفاً في اللفظ.
يدفعه قوله : واللام المقدرة.
فإن تقدير اللام يقتضي النصب بإضمار (إن) بعدها لا بالعطف على ما قبله.
وعن عاصم أيضاً :" ثُمَّ نُخْرِجَكُمْ " بنصب الجيم.
وقرأ ابن أبي عبلة " لِيُبَيِّن " و " يُقِرُّ " بالياء من تحت فيهما، والفاعل هو الله تعالى كما في قراءة النون.
وقرأ يعقوب في رواية " ونَقُرُّ " بفتح النون وضم القاف ورفع الراء من قرَّ الماء يقرُّه أي : صبَّه.
وقرأ أبو زيد النحوي " ويَقر " بفتح الياء من تحت وكسر القاف ونصب الراء أي : ويقر الله وهو من قَرَّ الماء إذا صبه.
وفي الكامل لابن جبارة " لنبين، ونقر، ثم نخرجكم " بالنصب فيهن يعني بالنون في الجميع، المفضل بالياء فيهما مع النصب أبو حاتم، وبالياء والرفع عن عمر بن شبة.
انتهى.
وقال الزمخشري : والقراءة بالرفع إخبار بأنه تعالى : يقر في الأرحام ما يشاء أن يقره.
ثم قال : والقراءة بالنصب تعليل معطوف على تعليل ومعناه : جعلناكم مدرجين هذا التدريج لغرضين :
٢٠