وقرأ ابن عباس " وَليلياً " بياءين فعل ما فعل الفياض ثم أتبع الواو الأولى للثانية في القلب وقرأ طلحة " وَلُولٍ " بالجرِ عطفاً على المجرور قبله، وقد تقدم، والأصل وَلُولُو بواوين ثم أعل إعلال أَدْلٍ.
واللؤلؤ قيل : كبار الجوهر، وقيل : صغاره.
قوله :﴿وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ﴾ أي أنهم يلبسون في الجنة ثياب الإبريسم والمعنى أنه تعالى يوصلهم في الآخرة إلى ما حرمه عليهم في الدنيا.
قال عليه السلام " مَنْ لَبِسَ الحَرِيرَ في الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ في الآخرة، فإن دخل الجنة لبسه أهل الجنة ولم يلبسه ".
قوله :﴿وَهُدُوا ااْ إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ﴾.
يجوز أن يكون " من القول " حالاً من " الطيب "، وأن يكون حالاً من الضمير المستكن فيه.
و " من " للتبعيض أو للبيان.
قال ابن عباس : الطيب من القول : شهادة أن لا إله إلا الله، ويؤيد هذا قوله :﴿مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً﴾ [إبراهيم : ٢٤] وقوله :﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾ [فاطر : ١٠].
وهو صراط الحميد، لقوله :﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِى إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ [الشورى : ٥٢] وقال ابن زيد : لا إله إلا الله والله أكبر والحمد لله وسبحان الله.
وقال السدي : هو القرآن.
وقال ابن عباس في رواية عطاء : هو قول أهل الجنة :﴿الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ﴾ [الزمر : ٧٤].
﴿وَهُدُوا ااْ إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ﴾ إلى
٥٥
دين الله وهو الإسلام، و " الحميد " هو الله المحمود في أفعاله.
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٤٦
قوله تعالى :﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ﴾ الآية.
لما فصل بين الكفار والمؤمنين ذكر عظم حرمة البيت، وعظم كفر هؤلاء فقال ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ وذلك بالمنع من الهجرة والجهاد.
قال ابن عباس : نزلت الآية في أبي سفيان بن حرب وأصحابه حين صدوا رسول الله - ﷺ - عام الحديبية عن المسجد الحرام وعن أن يحجوا ويعتمروا وينحروا الهَدْي، فكره رسول الله - ﷺ - قتالهم وهو محرم، ثم صالحوه على أن يعود في العام القابل.
قوله :" وَيَصدُّونَ " فيه ثلاثة أوجه : أحدها : أنه معطوف على ما قبله، وحينئذ ففي عطفه على الماضي ثلاثة تأويلات : أحدها : أنّ المضارع قد لا يقصد به الدلالة على زمن معين من حال أو استقبال وإنما يُراد به مجرد الاستمرار، فكأنه قيل : إن الذين كفروا ومن شأنهم الصدّ عن سبيل الله، ومثله :﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ﴾ [الرعد : ٢٨].
الثاني : أنه مؤول بالماضي لعطفه على الماضي.
الثالث : أنه على بابه فإن الماضي قبله مؤول بالمستقبل.
الوجه الثاني : أنه حال من فاعل " كَفَرُوا "، وبه بدأ أبو البقاء.
وهو فاسد ظاهراً، لأنه مضارع مثبت وما كان كذلك لا تدخل عليه الواو وما ورد منه على قلته مؤول، فلا يحمل عليه القرآن.
وعلى هذين القولين فالخبر محذوف، واختلفوا
٥٦
في موضع تقديره، فقدره ابن عطية بعد قوله :" وَالبَادِ " أي : إن الذين كفروا خسروا أو أهلكوا، ونحو ذلك.
وقدره الزمخشري بعد قوله :" وَالمَسْجِدِ الحَرَامِ " أي إن الذين كفروا نذيقهم من عذاب أليم، وإنما قدره كذلك ؛ لأن قوله :﴿نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ يدل عليه.
إلا أن أبا حيان في تقدير الزمخشري بعد " المَسْجِدِ الحَرَامِ " : لا يصح، قال : لأن " الَّذِي " صفة للمسجد الحرام، فموضع التقدير هو بعد " وَالْبَادِ ".
يعني أنه يلزم من تقديره الفصل بين الصفة والموصوف بأجنبي وهو خبر " إنَّ " فيصير التركيب : إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام نذيقهم من عذاب أليم الذي جعلناه للناس.
وللزمخشري أن ينفصل عن هذا الاعتراض بأن " الَّذِي جَعَلْنَاه " لا نسلم أنه نعت للمسجد حتى يلزم ما ذكر بل نجعله مقطوعاً عنه نصباً أو رفعاً.
ثم قال أبو حيان : لكن مقدر الزمخشري أحسن من مقدر ابن عطية، لأنه يدل عليه الجملة الشرطية بعد من جهة اللفظ وابن عطية لحظ من جهة المعنى لأن من أذيق العذاب خسر وهلك.
الوجه الثالث : أن الواو في " وَيَصُدُّونَ " مزيدة في خبر " إنَّ " تقديره : إن الذين كفروا (يصدون).
وزيادة الواو مذهب كوفي تقدم بطلانه.
وقال ابن عطية : وهذا مفسد للمعنى المقصود.
قال شهاب الدين : ولا أدري فساد المعنى من أي جهة ألا ترى لو صرح بقولنا :(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَصُدُّونَ) لم يكن فيه فساد معنى، فالمانع إنما هو أمر صناعي عند أهل البصرة لا معنوي، اللهم إلا أن يريد معنى خاصاً يفسد بهذا التقدير فيحتاج إلى بيانه.
قوله :" الَّذِي جَعَلْنَاهُ " يجوز جره على النعت والبيان، والنصب بإضمار فعل،
٥٧