إلا لتبوئة وليست بمعنى القول فضمنها معنى القول، ولا يريد بقوله : قلنا : لا تشرك.
تفسير الإعراب بل تفسير المعنى، لأن المفسرة لا تفسر القول الصريح.
الثاني : أنها المخففة من الثقيلة.
قاله ابن عطية.
وفيه نظر من حيث إن (أن) المخففة لا بد أن يتقدمها فعل تحقيق أو ترجيح كحالها إذا كانت مشددة.
الثالث : أنها المصدرية التي تنصب المضارع، وهي توصل بالماضي والمضارع والأمر، والنهي كالأمر، وعلى هذا فـ " أن " مجرورة بلام العلة مقدرة أي : بوأناه لئلا تشرك، وكان من حق اللفظ على هذا الوجه أن يكون " أن لا يشرك " بياء الغيبة، وقد قرئ بذلك، قاله أبو البقاء : وقوى ذلك قراءة من قرأة بالياء.
يعني من تحت.
ووجه قراءة العامة على هذا التخريج أن يكون من الالتفات من الغيبة إلى الخطاب.
الرابع : أنها الناصبة ومجرورة بلام أيضاً، إلا أن اللام متعلقة بمحذوف، أي : فعلنا ذلك لئلا تشرك، فجعل النهي صلة لها، وقَوَّى ذلك قراءة الياء قاله أبو البقاء.
والأصل عدم التقدير مع عدم الاحتياج إليه.
وقرأ عكرمة وأبو نهيك ﴿أن لا يشرك﴾ بالياء.
قال أبو حيان : على معنى أن يقول معنى القول الذي قيل له.
وقال أبو حاتم : ولا بد من نصب الكاف على هذه القراءة بمعنى : لئلا يُشْرِكَ.
قال شهاب الدين : كأنه لم يظهر له صلة (أَنْ) المصدرية بجملة النهي ؛ فجعل (لاَ) نافية، وسلّط (أَنْ) على
٦٨
المضارع بعدها حتى صار علة للفعل قبله، وهذا غير لازم لما تقدم من وضوح المعنى مع جعلها ناهية.
فصل وههنا سؤالات : الأول : إذا قلنا : أنّ (أَنْ) هي المفسرة : فكيف يكون النهي عن الشرك والأمر بتطهير البيت تفسيراً للتبوئة ؟ والجواب : أنه سبحانه لما قال : جعلنا البيت مرجعاً لإبراهيم، فكأنه قيل : ما معنى كون البيت مرجعاً له، فأجيب عنه بأن معناه أن يكون بقلبه موحداً لرب البيت عن الشريك والنظير مشتغلاً بتنظيف البيت عن الأوثان والأصنام.
السؤال الثاني : أن إبراهيم - عليه السلام - لما لم يشرك بالله فيكف قيل :﴿لاَّ تُشْرِكْ بِي﴾ ؟ والجواب : المعنى : لا تجعل في العبادة لي شريكاً، ولا تشرك بي غرضاً آخر في بناء البيت.
السؤال الثالث : أنَّ البيت ما كان معموراً قبل ذلك فكيف قال :" وَطَهِّرْ بَيتِي ".
والجواب : لعل ذلك المكان كان صحراء فكانوا يرمون إليها الأقذار، فأمر إبراهيم ببناء ذلك البيت في ذلك المكان وتطهيره عن الأقذار، أو كانت معمورة وكانوا وضعوا فيها أصناماً، فأمره الله تعالى بتخريب ذلك البناء ووضع بناء جديد، فذلك هو التطهير عن الأوثان، أو يكون المراد أنك بعد أن تبنيه فطهره عما لا ينبغي من الشرك.
وقوله :" لِلطَّائِفينَ " قال ابن عباس : للطائفين بالبيت من غير أهل مكة " والقائمين " أي : المقيمين فيها، " والرُّكَّع السُّجُود " أي : المصلين من الكل، وقيل : القائمون هم المصلون.
قوله :﴿وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ﴾.
قرأ العامة بتشديد الذال بمعنى (ناد).
٦٩
وقرأ الحسن وابن محيصن " آذن " بالمد والتخفيف بمعنى أعلم.
ويبعده قوله :" فِي النّاس " إذ كان ينبغي أن يتعدى بنفسه.
ونقل أبو الفتح عنهما أنهما قرءا بالقصر وتخفيف الذال، وخرجها أبو الفتح وصاحب اللوامح على أنها عطف على " بَوَّأْنَا " أي : واذكر إذ بوأنا وإذ أُذن في الناس، وهي تخريج وضاح.
وزاد صاحب اللوامح فقال : فيصير في الكلام تقديم وتأخير ويصير " يأتوك " جزماً على جواب الأمر في " وَطهِّر ".
وابن محصين " وآذن " بالمد : وتصحف هذا على ابن جنيّ فإنه حكى عنهما " وأَذِنَ " على أنه فعل ماض وأعرب على ذلك بأن جعله عطفاً على " بَوَّأْنَا ".
قال شهاب الدين : ولم يتصحف عليه بل حكى هذه القراءة أبو الفضل الرازي في اللوامح له عنهما، وذكرها أيضاً ابن خالويه، ولكنه لم يطلع عليها، فنسب من اطّلع عليها للتصحيف، ولو تأنّى أصاب أو كاد.
وقرأ ابن ابي إسحاق " بالحجِّ " بكسر الحاء حيث وقع كما تقدم.
فصل قال أكثر المفسرين : لما فرغ إبراهيم من بناء البيت قال الله له :﴿أذن في الناس بالحج﴾، قال : يا رب وما يبلغ صوتي ؟ قال : عليك الأذان وعليَّ البلاغ فصعد إبراهيم الصفا، وفي رواية أبا قبيس، وفي رواية على المقام.
فارتفع المقام حتى صار كأطول الجبال فأدخل أصبعيه في أذنيه، وأقبل بوجهه يميناً وشمالاً وشرقاً وغرباً وقال : يا
٧٠


الصفحة التالية
Icon