وقال الكلبي : هم الرقيقة قلوبهم.
وقال عمرو بن أوس : هم الذين لا يظلمون وإذا ظُلِموا لم ينتصروا.
قوله :﴿الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾.
يجوز أن يكون هذا الموصول في موضع جر أو نصب أو رفع، فالجر من ثلاثة أوجه : النعت للمخبتين، أو البدل منهم، أو البيان لهم.
والنصب على المدح.
والرفع على إضمارهم وهو مدح أيضاً، ويسميه النحويون قطعاً.
والمعنى : إذا ذكر الله ظهر عليهم الخوف من عقاب الله والخشوع والتواضع لله، والصابرين على ما أصابهم من البلايا والمصائب من قبل الله، لأنه الذي يجب الصبر عليه كالأمراض والمحن، فأما ما يصيبهم من قبل الظَّلَمة فالصبر عليه غير واجب بل لو أمكنه دفع ذلك لزمه الدفع ولو بالمقاتلة.
قوله :" والمُقِيْمي الصَّلاَةِ " في أوقاتها.
والعامة على خفض " الصَّلاَة " بإضافة المقيمين إليها.
وقرأ الحسن وأبو عمرو في رواية بنصبها على حذف النون تخفيفاً كما تحذف النون لالتقاء الساكنين.
وقرأ ابن مسعود والأعمش بهذا الأصل " والمُقِيْمِينَ الصَّلاة " بإثبات النون ونصب الصلاة.
وقرأ الضحاك :" والمُقِيْم الصَّلاَة " بميم ليس بعدها
٨٩
شيء.
وهذه لا تخالف قراءة العامة لفظاً وإنما يظهر مخالفتها لها وقفاً وخطاً.
ثم قال :﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾ أي : يتصدقون فهم خائفون خاشعون متواضعون لله مشتغلون بخدمة ربهم بالبدن والنفس والمال.
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٨٥
قوله تعالى :﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ﴾ الآية.
العامة على نصب " البُدْنَ " على الاشتغال، ورجح النصب وإن كان محوجاً للإضمار على الرفع الذي لم يحوج إليه، لتقدم جملة فعلية على جملة الاشتغال وقرئ برفعها على الابتداء والجملة بعدها الخبر والعامة أيضاً على تسكين الدال.
وقرأ الحسن ويروى عن نافع وشيخه أبي جعفر بضمها، وهما جمعان لبدنة نحو ثَمَرة وثُمُر وثُمْر، فالتسكين يحتمل أن يكون تخفيفاً من المضموم وأن يكون أصلاً وقيل : البُدُن والبُدْنِ جمع بَدَن، والبَدَن جمع بَدَنَة نحو خشبة وخشب ثم يجمع خشباً على خُشْب وخُشُب.
وقيل : البُدْن اسم مفرد لا جمع يعنون اسم الجنس.
وقرأ ابن أبي إسحاق :" البُدُنّ " بضم الباء والدال وتشديد النون وهي تحتمل وجهين : أحدهما : أنه قرأ كالحسن فوقف على الكلمة وضعف لامها، كقولهم : هذا فرج ثم أجري الوصل مجرى الوقف في ذلك ويحتمل أن يكون اسماً على فُعُلّ كعُتُلّ.
٩٠
وسميت البدنة بدنة، لأنها تبدن أي تسمن.
وهل تختص بالإبل ؟ الجمهور على ذلك، قال الزمخشري : والبدن جمع بدنة سميت لعظم بدنها وهي الإبل خاصة لأن رسول الله - ﷺ - ألحق البقر بالإبل حين قال :" البَدَنَةُ عَنْ سَبْعَةٍ، والبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةٍ " فجعل البقر في حكم الإبل، فصارت البدنة متناولة في الشريعة للجنسين عند أبي حنيفة وأصحابه، وإلا فالبدن هي الإبل، وعليه تدل الآية.
وقيل : لا تختص بالإبل، فقال الليث : البدنة بالهاء تقع على الناقة والبقرة والبعير، وما يجوز في الهدي والأضاحي، ولا تقع على الشاة.
وقال عطاء وغيره : ما أشعر من ناقة أو بقرة، لقول النبي - ﷺ - حين سئل عن البقر فقال :" وهَلْ هِيَ إِلاَ مِنَ البُدْن " (وقيل : البدن يراد به العظيم السن من الإبل والبقر).
ونقل النووي في تحرير ألفاظ التنبيه عن الأزهري أنه قال : البدنة تكون من الإبل والبقر والغنم.
ويقال للسمين من الرجال، وهو اسم جنس مفرد.
قوله :﴿مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ﴾ هو المفعول الثاني للجعل بمعنى التصيير.
وقوله :﴿لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ﴾ الجملة حال من هاء " جَعَلْنَاهَا "، وإما من " شَعَائِرِ اللَّهِ " وهذان مبنيان على أن الضمير في " فِيْهَا " هل هو عائد على " البُدْن " أو على " شعائر الله "، والأول قول الجمهور.
قوله :﴿فَاذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَآفَّ﴾.
نصب " صَوَافَّ " على الحال، أي مصطفة جنب بعضها إلى بعض.
وقرأ أبو موسى الأشعري والحسن ومجاهد وزيد بن أسلم " صَوَافِي " جمع صافية، أي : خالصة لوجه الله تعالى.
وقرأ عمرو بن عبيد كذلك إلا أنه نون الياء فقرأ " صَوَافِياً ".
واستشكلت من حيث إنه جمع متناه، وخرجت على وجهين : أحدهما : ذكره الزمخشري : وهو أن يكون التنوين عوضاً من حرف الإطلاق عند
٩١
الوقف، يعني أنه وقف على " صَوافِي " بإشباع فتحة الياء فتولد منها ألف، يسمى حرف الإطلاق، ثم عوض عنه هذا التنوين، وهو الذي يسميه النحويون تنوين الترنم.
والثاني : أنه جاء على لغة من يصرف ما لا ينصرف.
وقرأ الحسن " صَوَافٍ " بالكسر والتنوين، وجهها أنه نصبها بفتحة مقدرة فصار حكم هذه الكلمة كحكمها حالة الرفع والجر في حذف الياء وتعويض التنوين نحو هؤلاء جوار، ومررت بجوار وتقدير الفتحة في الياء كثير كقولهم :
٣٧٦٥ - أَعْطِ القَوْسَ بَارِيْهَا
وقوله : ٣٧٦٦ - كَأَنَّ أَيْدِيْهِنَّ بِالقَاعِ القَرِقْ


الصفحة التالية
Icon