أَيْدِي جَوَارٍ يَتَعَاطَيْنَ الوَرِقْ
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٩٠
٩٢
وقول الآخر :
٣٧٦٧ - وَكَسَوْتُ عَارٍ لَحْمَه
ويدل على هذه قراءة بعضهم " صَوَافِيْ " بياء ساكنة من غير تنوين نحو رأيت القاضي يا فتى.
بسكون الياء.
ويجوز أن يكون سكن الياء في هذه القراءة للوقف ثم أجرى الوصل مجراه.
وقرأ العبادلة ومجاهد والأعمش " صَوَافِنَ " بالنون جمع صافنة، وهي التي تقوم على ثلاثة وطرف الرابعة أي : على طرف سنبكه، لأن البدنة تعلق إحدى يديها، فتقوم على ثلاثة إلا أن الصوافن إنما يستعمل في الخيل كقوله :" الصَّافِنَاتُ الجِيَاد " كما سيأتي، فيكون استعماله في الإبل استعارة.
فصل سميت البدنة بدنة لعظمها يريد الإبل العظام الصحاح الأجسام، يقال : بَدَنَ الرجل بُدْناً وبَدَانَةً : إذا ضَخُم، فأما إذا أسن واسترخى يقال : بَدَّنَ تَبْدِيْناً.
﴿جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ﴾ أي : من أعلام دينه، سميت شعائر، لأنها تشعر، وهو أن تطعن بحديدة في سنامها فيعلم أنها هَدْي.
﴿لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ﴾ النفع في الدنيا والأجر في العقبى.
﴿فَاذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا﴾ عند نحرها " صَوَافَّ " أي قياماً على ثلاث قوائم قد صفت رجليها وإحدى يديها ويدها اليسرى معقولة فينحرها كذلك لما روى زياد بن جبير
٩٣
قال : رأيت ابن عمر أتى على رجل قد أناخ بدنة ينحرها فقال : ابعثها قياماً مقيدة سنة محمد - ﷺ -.
وقال مجاهد : الصواف إذا علقت رجلها اليسرى وقامت على ثلاث.
قال المفسرون : قوله :﴿فَاذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا﴾ فيه حذف أي اذكروا اسم الله على نحرها، وهو أن يقال عند النحر : باسم الله والله أكبر ولا إله إلا الله والله أكبر اللهم منك وإليك.
والحكمة في اصطفافها ظهور كثرتها للناظر فتقوى نفوس المحتاجين، ويكون التقرب بنحرها عند ذلك أعظم أجراً، وإعلاء اسم الله وشعائر دينه.
فصل إذا قال : لله عليَّ بدنة، هل يجوز نحرها في غير مكة ؟ قال أبو حنيفة ومحمد يجوز وقال أبو يوسف : لا يجوز إلا بمكة.
واتفقوا في من نذر هدياً أن عليه ذبحه بمكة.
ومن قال : لله عليَّ جزور أنه يذبحه حيث شاء.
وقال أبو حنيفة : البدنة بمنزلة الجزور، فوحب أن يجوز له نحرها حيث يشاء، بخلاف الهدي فإنه قال :﴿هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ﴾ [المائدة : ٩٥] فجعل بلوغ الكعبة من صفة الهدي.
واحتج أبو يوسف بقوله :﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ﴾ فكان اسم البدنة يفيد كونها قربة فكان كاسم الهدي.
وأجاب أبو حنيفة بأنه ليس كل ما كان ذبحه قربة اختص بالحرم، فإن الأضحية قربة وهي جائزة في سائر الأماكن.
قوله :﴿فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا﴾ أي سقطت بعد النحر فوقعت جنوبها على الأرض.
وأصل الوجوب السقوط، يقال : وجبت الشمس إذا سقطت للمغيب، ووجب الجدار : أي سقط، ومنه الواجب الشرعي كأنه وقع علينا ولزمنا.
قال أوس بن حجر : ٣٧٦٨ - أَلَمْ تُكْسَفِ الشَّمْسِ شَمْسُ النَّهَا
ر والبَدْرُ لِلْجَبَلِ الوَاجِبِ
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٩٠
٩٤
قوله :﴿فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ﴾ أمر إباحة ﴿وَأَطْعِمُواْ الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ﴾ اختلفوا في معناهما، فقال عكرمة وإبراهيم وقتادة : القانع الجالس في بيته المتعفف يقنع بما يعطى ولا يسأل.
والمعتر الذي يسأل.
قال الأزهري : قال ابن الأعرابي : يقال : عَرَوْتُ فلاناً وأعْتَرَيْتُه وعَرَرْتَه واعْتَرَرْته : إذا أتيته تطلب معروفه ونحوه.
قال أبو عبيدة : روى العوفي عن ابن عباس : القانع الذي لا يتعرض ولا يسأل، والمعتر الذي يريك نفسه ويتعرض ولا يسأل.
فعلى هذين التأويلين يكون القانع من القناعة، يقال : قَنِعَ قَنَاعَةً : إذا رضي بما قسم له.
وقال سعيد بن جبير والحسن والكلبي : القانع الذي يسأل، والمعتر الذي يتعرض ولا يسأل.
وقيل : القانع الراضي بالشيء اليسير من قَنِعَ يَقْنَعُ قَنَاعَةً فهو قانع.
والقنع بغير ألف هو السائل.
ذكره أبو البقاء.
وقال الزمخشري القانع السائل من قَنَعْتُ وكَنَعْتُ إذا خضعت له وسألته قنوعاً، والمُعتَرّ : المتعرض بغير سؤال أو القانع الراضي بما عنده وبما يعطى من غير سؤال من قَنِعْتُ قَنَعاً وقَنَاعَةً، والمعتر المتعرض للسؤال.
انتهى.
وفرق بعضهم بين المعنيين بالمصدر فقال :" قَنَعَ يَقْنَع قُنُوعاً " أي : سأل، وقناعةً أي : تعفف ببلغته واستغنى به، وأنشد للشماخ : ٣٧٦٩ - لَمَالُ المَرْءِ يُصْلِحه فيُغْنِي
مَفَاقِرهُ أَعَفُّ مِنَ القُنُوْعِ
وقال ابن قتيبة : المعتر المتعرض من غير سؤال، يقال : عَرّهُ واعْتَرّهُ وَعَرَاهُ واعْتَرَاهُ أي : أتاه طالباً معروفه، قال :
٩٥
٣٧٧٠ - لَعَمْرُكَ مَا المُعْتَرُّ يَغْشَى بِلاَدَنَا
لِنَمْنَعَهِ بِالضَّائِعِ المُتَهَضِّمِ
وقول الآخر.
٣٧٧١ - سَلِي الطَّارِقَ المُعْتَرَّ يا أُمَّ مَالِكٍ


الصفحة التالية
Icon