عطفاً على محل اسم " إن " عند من يجيز ذلك نحو إن زيداً وعمرو قائمان، وعلى هذا فـ " تجري " حال أيضاً والباء في " بأمره " للسببية.
فصل وكيفية تسخيره الفلك هو من حيث سخر الماء والرياحُ تجريها، فلولا صفتها على ما هما عليه لما جرت بل كانت تغوص أو تقف فنبه تعالى على نعمته بذلك، وبأن خلق ما تُعْمَل منه السفن، وبأن بين كيف تعمل، وقال :" بأَمْرِه " لما كان تعالى هو المجري لها بالرياح نسب ذلك إلى أمره توسعاً، لأن ذلك يفيد (تعظيمه بأكثر مما يفيد) لو أضافه إلى فعله على عادة الملوك في مثل هذه اللفظة.
قوله :﴿وَيُمْسِكُ السَّمَآءَ أَن تَقَعَ﴾ (في " أَنْ تَقَعَ " ) ثلاثة أوجه : أحدها : أنها في محل نصب أو جر لأنها على حذف حرف الجر تقديره من أن تقع.
الثاني : أنها في محل نصب فقط لأنها بدل من " السماء " بدل اشتمال أي ويمسك وقوعها بمنعه.
الثالث : أنها في محل نصب على المفعول من أجله، فالبصريون يقدرون كراهة أن تقع، والكوفيون لئلا تقع.
قوله :" إِلاَّ بإِذْنِه " في هذا الجار وجهان : أحدهما : أنه متعلق بـ " تَقَع " أي : إلا بإذنه فتقع.
والثاني : أنه متعلق بـ " يمسك ".
قال ابن عطية : ويحتمل أن يعود قوله :" إلا بإذنه " على الإمساك، لأن الكلام يقتضي بغير عمد ونحوه، كأنه أراد إلا بإذنه فيه نمسكها.
قال أبو حيان : ولو كان
١٤١
على ما قال لكان التركيب بإذنه دون أداة الاستثناء ويكون التقدير : ويمسك السماء بإذنه.
قال شهاب الدين : فهذا الاستثناء مفرغ، ولا يقع في موجب، لكنه لما كان الكلام قبله في قوة النفي ساغ ذلك إذ التقدير : لا يتركها تقع إلا بإذنه، والذي يظهر أن هذه الباء حالية، أي : إلا ملتبسة بأمره.
ثم قال :﴿إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ أي أن المنعم بهذه النعم الجامعة لمنافع الدنيا والدين قد بلغ الغاية في الإحسان والإنعام، فهو إذاً رؤوف رحيم قوله :﴿وَهُوَ الَّذِى أَحْيَاكُمْ﴾ أنشأكم ولم تكونوا شيئاً " ثُمَّ يُميتُكُمْ " عند انقضاء آجالكم " ثُمَّ يُحْييْكُمْ " يوم القيامة للثواب والعقاب ﴿إِنَّ الإِنْسَانَ لَكَفُورٌ﴾ لنعم الله عزَّ وجلَّ، وهذا كما يعدد المرء نعمه على ولده ثم يقول : إن الولد لكفور لنعم الوالد زجراً له عن الكفران، وبعثاً له على الشكر، فلذلك أورد تعالى ذلك في الكفار، فبين أنهم دفعوا هذه النعم وكفروا بها وجهلوا خالقها مع وضوح أمرها ونظيره قوله :﴿وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ [سبأ : ١٣].
قال ابن عباس : الإنسان هنا هو الكافر، وقال في رواية : هو الأسود بن عبد الأسد وأبو جهل والعاص وأبي بن خلف.
والأولى أنه في كل المنكرين.
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ١٣٥
قوله تعالى :﴿لِّكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ﴾ لما عدد نعمه وأنه لرؤوف رحيم بعباده، وإن كان منهم من يكفر ولا يشكر، أتبعه بذكر نعمه بما كلَّف، فقال :﴿لِّكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً﴾.
وحذف الواو من قوله :" لِكُلِّ أُمَّةٍ " لأنه لا تعلق لهذا الكلام بما قبله فحذف العاطف.
قال الزمخشري : لأن تلك وقعت مع ما يدانيها ويناسبها من الآي الواردة في
١٤٢
أمر النسائك فعطفت على أخواتها، وأما هذه فواقعة مع أباعد عن معناها فلم تجد معطفاً.
قوله :" هم ناسكوه " هذه الجملة صفة لـ " مَنْسَكاً ".
وقد تقدم أنه يقرأ بالفتح والكسر، وتقدم الخلاف فيه هل هو مصدر أو مكان.
وقال ابن عطية :" نَاسِكُوه " يعطي أن المنسك المصدر، ولو كان مكاناً لقال : ناسكون فيه.
يعني أن الفعل لا يتعدى إلى ضمير الظرف إلا بواسطة (في).
وما قاله غير لازم، لأنه قد يتسع في الظرف فيجري مجرى المفعول فيصل الفعل إلى ضميره بنفسه، وكذا ما عمل عمل الفعل.
ومن الاتساع في ظرف الزمان قوله : ٣٧٧٧ - وَيَوْمٍ شَهِدْنَاهُ سُلَيْماً وَعَامِراً
قَلِيْلٍ سِوَى الطَّعْنِ النِّهَالِ نَوَافِلُه
ومن الاتساع في ظرف المكان قوله : ٣٧٧٨ - وَمَشْرَبٍ َشْرَبُه وشيلٍ
لاَ آجِنُ المَاءِ وَلاَ وَبِيْلُ
يريد أشرب فيْه.
فصل روي عن ابن عباس : المَنْسَك شريعة عاملون بها، ويؤيده قوله تعالى :﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً﴾ [المائدة : ٤٨].
وروي عنه أنه قال : عيداً يذبحون فيه.
وقال مجاهد وقتادة : قربان يذبحون.
وقيل : موضع عبادة.
وقيل : مألفاً يألفونه والأول أولى لأن المنسك
١٤٣


الصفحة التالية
Icon