وأجيز أن تكون مستأنفة لا محل لها.
ولا يجوز أن تكون حالاً، قال أبو البقاء لأنه ليس في الجملة ما يصلح أن يعمل في الحال.
وظاهر نقل أبي حيان عن الزمخشري أنه يجيز كونها حالاً فقال : وأجاز الزمخشري أن تكون " النَّارُ " مبتدأ و " وَعَدَها " خبر، وأن تكون حالاً على الإعراب الأول انتهى.
والإعراب الأول هو كون " النار " خبر مبتدأ مضمر.
والزمخشري لم يجعلها حالاً إلا إذا نصبت " النار " أو جررتها بإضمار قد.
هذا نصه وإنما منع ذلك لما تقدم من قول أبي البقاء، وهو عدم العامل.
وأما النصب فهو قراءة زيد بن علي وابن أبي عبلة.
وفيه ثلاثة أوجه : أحدها : أنها منصوبة بفعل مقدر يفسره الفعل الظاهر، والمسألة من الاشتغال.
الثاني : قال الزمخشري : إنها منصوبة على الاختصاص.
الثالث : أن ينتصب بإضمار أعني، وهو قريب مما قبله أو هو هو.
وأما الجر فهو قراءة ابن إبي إسحاق وإبراهيم بن نوح، على البدل من " شَرّ " والضمير في " وَعَدَهَا " قال أبو حيان : الظاهر أنه هو المفعول الأول، على أنه تعالى وعد النار بالكفار أن يطعمها إياهم، ألا ترى إلى قوله تعالى :﴿وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ﴾ [ق : ٣٠]، ويجوز أن يكون الضمير هو المفعول الثاني و " الَّذِينَ كَفَرُوا " هو المفعول الأول، كما قال :﴿وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ﴾ [التوبة : ٦٨].
قال شهاب الدين : وينبغي أن يتعين هذا الثاني، لأنه متى اجتمع بعد ما يتعدى إلى اثنين شيئان ليس ثانيهما عبارة عن الأول، فالفاعل المعنوي رتبته التقديم وهو المفعول الأول، ونعني بالفاعل المعنوي من يتأتى منه فعل، فإذا قلت : وعدت زيداً ديناراً.
فالدينار هو المفعول، لأنه لا يتأتى منه فعل، وهو
١٤٨
نظير أعطيت زيداً درهماً.
فزيد هو الفاعل، لأنه آخذ للدرهم.
وقوله :" وَبِئْسَ المَصِير " المخصوص بالذم محذوف تقديره : وبئس المصير هي النار.
فصل والمعنى : أن الذي ينالكم من النار أعظم مما ينالكم عند تلاوة هذه الآيات من الغضب والغم، وهي النار وعدها الله الذين كفروا إذا ماتوا على كفرهم وبئس المصير هي.
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ١٤٥
قوله تعالى :﴿ يا أيها النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ﴾ الآية لما بين أنهم يعبدون من دون الله ما لا حجة لهم به ولا علم ذكر هاهنا ما يدل على إبطال قولهم.
قوله :" ضُرِبَ مَثَلٌ " قال الأخفش : ليس هذا مثل وإنما المعنى جعل الكفارُ لله مثلاً.
قال الزمخشري : فإن قلت : الذي جاء به ليس مثلاً، فكيف سماه مثلاً ؟ قلت قد سميت الصفة والقصة الرائعة المتلقاة بالامتحان والاستغراب مثلاً تشبيهاً لها ببعض الأمثال المسيرة لكونها مستغربة مستحسنة.
وقيل : معنى " ضَرَبَ " جعل، كقولهم : ضَرَبَ السلطان البَعْثَ، وضرب الجِزْيَة على أهل الذمة.
ومعنى الآية : فجعل لي شَبَهٌ وشُبِّه بي الأوثان، أي : جعل المشركون الأصنام شركائي فعبدوها.
وقيل : هو مثل من حيث المعنى، لأنه ضرب مثل من يعبد الأصنام بمن يعبد ما لا يخلق ذباباً.
" فَاسْتَمِعُوا لَه " أي : فتدبروه حق تدبره لأن نفس السماع لا ينفع، وإنما ينفع بالتدبر.
قوله :﴿إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ﴾ قرأ العامة " تَدْعُونَ " بتاء الخطاب والحسن ويعقوب وهارون ومحبوب عن أبي عمرو بالياء من تحت وهو في كلتيهما مبني للفاعل.
١٤٩
وموسى الأسواري واليماني " يُدْعَوْنَ " بالياء من أسفل مبنياً للمفعول.
والمراد الأصنام.
فإن قيل : قول " ضُرِبَ " يفيد فيما مضى، والله تعالى هو المتكلم بهذا الكلام ابتداء فالجواب : إذا كان ما يورد من الوصف معلوماً من قبل جاز ذلك فيه، ويكون ذكره بمنزلة إعادة أمر تقدم.
قوله :" لَنْ يَخْلُقُوا ".
جعل الزمخشري نفي " لَنْ " للتأبيد وتقدم البحث معه في ذلك.
والذباب معروف، وهو واحد، وجمعه القليل : أذِبَّة، وفيه الكسرة، ويجمع على ذِبَّان وذُبَّان بكسر الذال وضمها وعلى ذُبّ.
والمِذَبَّة ما يطرد بها الذباب.
وهو اسم جنس واحدته ذبابة تقع للمذكر والمؤنث فتفرد بالوصف.
قوله :﴿وَلَوِ اجْتَمَعُواْ لَهُ﴾ قال الزمخشري : نصب على الحال كأنه قال يستحيل خلقهم الذباب حال اجتماعهم لخلقه وتعاونهم عليه فكيف حال انفرادهم.
وقد تقدم أن هذه الواو عاطفة هذه الجملة الحالية على حال محذوفة، أي : انتفى خلقهم الذباب على كل حال ولو في هذه الحالة المقتضية لخلقهم، فكأنه تعالى قال : إن هذه الأصنام لو اجتمعت لا تقدر على خلق ذبابة على ضعفها فكيف يليق بالعاقل جعلها معبوداً.
١٥٠


الصفحة التالية
Icon