كانت من أسباب السعادة لعمر، وسبب الشقاوة لعبد الله، كما قال تعالى :﴿يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً﴾ [البقرة : ٢٦].
فإن قيل : فعلى كل الروايات فقد تكلم البشر ابتداء بمثل نظم القرآن، وذلك يقدح في كونه معجزاً كما ظنّه عبد الله.
فالجواب : هذا غير مستبعد إذا كان قدره القدر الذي لا يظهر فيه الإعجاز، فسقطت شبهة عبد الله.
قوله :﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذالِكَ لَمَيِّتُونَ﴾ أي : بعدما ذكر، ولذلك أفرد اسم الإشارة، وقرأ العامة " لَمَيِّتُونَ "، وزيد بن علي وابن أبي عبلة وابن محيصن " لَمَائِتُونَ " والفرق بينهما : أن الميّت يدل على الثبوت والاستقرار، والمائت على الحدوث كضيق وضائق وفرح وفارح، فيقال لمن سيموت : ميّت ومائت، ولمن مات : ميّت فقط دون مائت، لاستقرار الصفة وثبوتها، وسيأتي مثله في الزمر إن شاء الله تعالى.
فإن قيل : الموت لم يختلف فيه اثنان وكم من مخالف في البعث، فَلِم أَكّد المجمع عليه أبلغ تأكيد وترك المختلف فيه من تلك المبالغة في التأكيد ؟ فالجواب : أنّ البعث لما تظاهرت أدلته وتظافرت، أبرز في صورة المجمع عليه المستغني عن ذلك، وأنّهم لَمَّا لم يعملُوا للموت، ولم يهتموا بأموره، نُزِّلوا منزلة من يُنكره، فأبرز لهم في صورة المنكر الذي استبعدوه كل استبعاد.
وكان أبو حيان سئل عن ذلك، فأجاب أنّ اللام غالباً تخلص المضارع للحال، ولا يمكن دخولها في " تُبْعَثُونَ "، لأنه مخلص للاستقبال لعمله في الظرف المستقبل، واعترضَ على نفسه بقوله :﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [النحل : ١٢٤] فإن اللام دخلت على المضارع العامل في ظرف مستقبل وهو " يَوْمِ القِيَامَة " فأجاب بأنه خرج هذا بقوله : غالباً، وبأن العامل في " يوم القيامة " مقدر، وفيه نظر إذ فيه تهيئة العامل للعمل وقطعه عنه.
و " بَعْدَ ذَلِك " متعلق بـ " مَيِّتُونَ "، ولا تمنع لام الابتداء من ذلك.
١٨٤
قوله :﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ﴾ جعل الإماتة التي هي إعدام الحياة والبعث الذي هو إعادة ما يفنيه ويعدمه دليلين على اقتدار عظيم بعد الإنشاء والاختراع.
فإن قيل : ما الحكمة في الموت، وهلا وَصَل نعيم الآخرة وثوابها بنعيم الدنيا فيكون ذلك في الإنعام أبلغ ؟ فالجواب هذا كالمفسدة في حق المكلفين لأنه متى عجل للمرء الثواب فيما يتحمله من المشقة في الطاعات صار إتيانه بالطاعات لأجل تلك المنافع لا لأجل طاعة الله بدليل أنه لو قيل لمن يصوم : إذا فعلت ذلك أدخلناك الجنة في الحال فإنه لا يأتي بذلك الفعل إلا لطلب الجنة، فلا جرم أخره وبعده بالإماتة، وهو الإعادة، ليكون العبد عابداً لطاعته لا لطلب الانتفاع.
فإن قيل : هذه الآية تدل على نفي عذاب القبر، لأنه قال :﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذالِكَ لَمَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ﴾ ولم يذكر بين الأمرين الإحياء في القبر والإماتة.
فالجواب من وجهين : الأول : أنه ليس في ذكر الحياتين نفي الثالثة.
والثاني : أنّ الغرض من ذكر هذه الأجناس الثلاثة الإحياء والإماتة والإعادة والذي تُرك ذكره فهو من جنس الإعادة.
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ١٧٥
قوله تعالى :﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَآئِقَ﴾ الآية، أي : سبع سموات سُميت طرائق لتطارقها، وهو أن بعضها فوق بعض، يقال : طارقتُ النعلَ : إذا أطبق نعلاً على نعل، وطارق بين الثوبين : إذا لَبس ثوباً على ثوب قاله الخليل والزجاج والفراء قال الزجاج : هو كقوله :﴿سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً﴾ [الملك : ٣] وقال عليّ بن عيسى : سميت بذلك، لأنها طرائق الملائكة في العروج والهبوط، وقيل : لأنها طرائق الكواكب في مسيرها.
١٨٥