أحدهما : أنه تعالى أمره بإدخال سائر مَنْ آمَنَ به، وإن لم يكن من أهله.
وقيل : المراد بأهله من آمَنَ دون من يتعمل به نسباً أو حسباً.
وهذا ضعيف، وإلاّ لما جاز الاستثناء بقوله :﴿إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ﴾.
والثاني : قال :﴿وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا ااْ﴾ يعني : كنعان، فإنه - سبحانه - لَمَّا أخبر بإهلاكهم، وجب أن ينهاه عن أن يسأله في بعضهم.
لأنه إن أجابه إليه، فقد صيّر خبره الصادق كذباً، وإن لم يجبه إليه، كان ذلك تحقيراً لشأن نوح - عليه السلام -، فلذلك قال :" إِنَّهُم مُغْرَقُونَ " أي : الغرق نازل بهم لا محالة.
قوله :﴿فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى الْفُلْكِ﴾ اعتدلت أنت ومن معك على الفلك، قال ابن عباس : كان في السفينة ثمانون إنساناً، نوح وامرأته سِوَى التي غرقت، وثلاثة بنين، سام، وحام، ويافث، وثلاثة نسوة لهم، واثنان وسبعون إنساناً، فكل الخلائق نسل من كان في السفينة.
روى سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن النبي - ﷺ - قال :" وُلِد لنوح ثلاثة أولاد سَام، وحَام، ويَافِث، فأمّا سام فأبو العرب وفارس والروم، وأما يافث فأبو يأجوج ومأجوج والبربر، وأما حام فأبو هذه الجلدة السوداء ويأجوج ومأجوج بنو عم الترك ".
قال ابن الجوزي : وُلِد لحام كوش، ونبرش، وموغع، وبوان، ووُلِد لكوش نمرود، وهو أول النماردة، مَلِك بعد الطوفان ثلاثمائة سنة، وعلى عهده قسّمت الأرض، وتفرَّق الناس واختلفت الألسن، ونمرود إبراهيم الخليل، ومن وَلد نبرش الحرير، ومن وَلد مُوغع يأجوج ومأجوج، ومن وَلد بوان الصقالبة، والنوبة، والحبشة، والهند، والسند.
ولما اقتسم أولاد نوح الأرض، نزل بنو حام مجرى الجنوب والدبور، فجعل الله فيهم الأدمة، وبياضاً قليلاً، ولهم أكثر الأرض، وروي أن فالغ أبو غابر قسم الأرض بين أولاد نوح بعد موت نوح، فنزل سام سرة الأرض فكانت فيهم الأدمة والبياض، ونزل بنو يافث مجرى الشمال والصبا فكانت فيهم الحمرة والشقرة، ونزل بنو حام مجرى الجنوب والدبور فتغيرت ألوانهم.
١٩٩
روى ابن شهاب قال : قيل لعيسى ابن مريم - عليه السلام - أَحْيِ حام بن نوح - فقال : أروني قبره.
فأروه، فقام، فقال : يا حام بن نوح احْيَ بإذن الله - عزّ وجلّ - فَلَمْ يَخْرُج، ثم قالها الثانية، فخرج، وإذا شِقّ رأسه ولحيته أبيض، فقال : ما هذا، قال : سمعتُ الدعاء الأول فظننتُ أنه من الله - تعالى - فشاب له شقي، ثم سمعت الدعاء الثاني فعلمت أنه من الدنيا فخرجتُ، قال : مذ كم مِتَّ ؟ قال : منذ أربعة آلاف سنة، ما ذهبت عنّي سكرة الموت حتى الآن.
وروي أن الذي أحياه عيسى ابن مريم سام بن نوح، والله أعلم.
وروي عن النمر بن هلال قال : الأرض أربعة وعشرون ألف فرسخ فاثنا عشر ألف للسودان، وثمانية للروم، وثلاثة للفرس وألف للعرب قال مجاهد : ربع من لا يلبس الثياب من السودان مثل جميع الناس.
قوله :﴿فَقُلِ الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ الكافرين، وإنما قال :" فَقُل " ولم يقل : فقولوا، لأنّ نوحاً كان نبياً لهم وإمامهم، فكان قولاً لهم مع ما فيه من الإشعار بفضل النبوة وإظهار كبرياء الربوبية، وأن رتبة ذلك المخاطب لا يترقى إليها إلا ملك أو نبي.
قال قتادة : علمكم الله أن تقولوا عند ركوب السفينة :﴿بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا﴾ [هود : ٤١]، وعند ركوب الدابة :﴿سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَـاذَا﴾ [الزخرف : ١٣]، وعند النزول :﴿وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلاً مُّبَارَكاً﴾.
قال الأنصاري : وقال لنبينا :﴿وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ﴾ [الإسراء : ٨٠]، وقال :﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ﴾ [النحل : ٩٨] فكأنه - تعالى - أمرهم أن لا يغفلوا عن ذكره في جميع أحوالهم.
قوله :﴿وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلاً مُّبَارَكاً﴾ قرأ أبو بكر بفتح ميم (مَنْزِلاً) وكسر الزاي، والباقون بضم الميم وفتح الزاي و(المَنْزل) و(المُنْزَل) كل منهما يحتمل أن
٢٠٠


الصفحة التالية
Icon