وليس بشيء بل مفردها (هَيْهَاتَ).
قالوا : وكان يبغي على أصله أن يقال فيها :(هَيْهَيَات) بقلب ألف (هَيْهَاتَ) ياء، لزيادتها على الأربعة نحو : مَلْهَيَات، ومَغْزَيات، ومَرْمَيات، لأنها من بنات الأربعة المضعّفة من الياء من باب حَاحَيْتَ وصِيْصِية، وأصلها بوزن القَلْقلة والحَقْحَقَة فانقلبت الياء ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها، فصارت : هَيْهَاة كالسلْقَاة والجَعْبَاة.
وإن كانت الياء التي انقلبت عنها ألف سلْقَاة وجَعْبَاة زائدة، وياء هَيْهية أصلاً، فلما جمعت كان قياسها على قولهم : أَرْطَيَاتٍ وعَلْقَيَاتٍ أن يقولوا فيها :(هَيْهَياتٍ)، إلاّ أنهم حذفوا الألف لالتقاء الساكنين لمّا كانت في آخر اسم مبني كما حذفُوها في (ذان)، و(اللَّتان) و(تان) : ليفصلوا بين الألفات في أواخر المبنية، والألفات في أواخر المتمكنة، وعلى هذا حذفوها في أولات وذَوَات، لتخالف ياء حَصَيات ونَوَيات.
وقالوا : من فتح تاء (هَيْهَاتَ) فحقه أن يكتبها هاء، لأنها في مفرد كتَمْرة ونَواة، ومن كسرها فحقه أن يكتبها تاء، لأنها في جمع كهِنْدَات، وكذلك حكم الوقف سواء، ولا التفات إلى لغة : كيف الإخوهْ والأخواهْ، ولا هذه ثمرت، لقلتها، وقد رسمت في المصحف بالهاء.
واختلف القراء في الوقف عليها، فمنهم من اتبع الرسم فوقف بالهاء وهما الكسائي والبزيّ عن ابن كثير.
ومنهم من وقف بالتاء وهم الباقون.
وكان ينبغي أن يكون الأكثر على الوقف بالهاء لوجهين : أحدهما : موافقة الرسم.
والثاني : أنهم قالوا : المفتوح اسم مفرد أصله هَيْهَيَة كَوَلولة وقَلْقَلة في مضاعف الرباعي، وقد تقدم أن المفرد يوقف على تاء تأنيثه بالهاء.
وأمّا التنوين فهو
٢١١
على قاعدة تنوين أسماء الأفعال دخوله دال على التنكير، وخروجه دال على التعريف.
قال القيسي : من نَوّن اعتقد تنكيرها، وتصوَّرَ معنى المصدر النكرة، كأنه قال : بُعْداً بُعْداً.
ومن لم يُنوّن اعتقد تعريفها، وتصوَّر معنى المصدر المعرفة، كأنه قال : البُعْدُ البُعْدُ فجعل التنوين دليل التنكير وعدمه دليل التعريف انتهى.
ولا يوجد تنوين التنكير إلا في نوعين : أسماء الأفعال وأسماء الأصوات (نحو صَهْ وصَهٍ، وبَخْ وبَخٍ، والعلم المختوم بـ (ويه)) نحو سيبويهِ وسيبويهٍ، وليس بقياس بمعنى : أنه ليس لك أن تنوّن منها ما شئت بل ما سمع تنوينه اعتقد تنكيره.
والذي يقال في القراءات المتقدمة : إنّ من نوّن جعله للتنكير كما تقدم.
ومن لم ينوّن جعل عدم التنوين للتعريف.
ومن فتح فللخفةِ وللاتباع.
ومن كسر فعلى أصل التقاء الساكنين، ومن ضم فتشبيهاً بقَبْل وبَعْد.
ومن سَكّن فلأنّ أصل البناء السكون.
ومن وقف بالهاء فاتباعاً للرسم، ومن وقف بالتاء فعلى الأصل سواء كُسرت التاء أو فتحت، لأنّ الظاهر أنهما سواء، وإنما ذلك من تغيير اللغات وإن كان المنقول عن مذهب سيبويه ما تقدم.
هكذا ينبغي أن تعلل القراءات المتقدمة.
وقال ابن عطية فيمن ضم ونوّن : إنه اسم معرب مستقل مرفوع بالابتداء، وخبره " لِمَا تُوعدُونَ " أي : البُعْد لوعدكم، كما تقول : النجح لسعيك.
وقال الرازي في اللوامح : فأمَّا مَنْ رَفَعَ وَنَوَّنَ احتمل أن يكونا اسمين متمكنين مرفوعين، خبرهما من حروف الجر بمعنى : البُعْدُ لِمَا تُوعَدُونَ، والتكرار للتأكيد، ويجوز أن يكونا اسماً للفعل، والضم للبناء مثل : حُوبُ في زجر الإبل لكنه نَوّنه (لكونه) نكرة.
قال شهاب الدين : وكان ينبغي لابن عطية وأبي الفضل أن يجعلاه اسماً أيضاً في حالة النصب مع التنوين على أنه مصدر واقع موقع الفعل وقرأ ابن أبي عبلة :﴿هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ مَا تُوعَدُونَ﴾ من غير لام جر.
وهي واضحة، مؤيدة لمدعي زيادتها
٢١٢