وقال الراغب : هو من مَعَن الماء جرى، وسُمي مَجَارِي الماء مُعْنان، وأمْعَن الفرس تباعد في عَدْوه، وأمْعَن بِحَقِّي : ذهب به، وفلانٌ معن في حاجته يعني : سريعاً فكلّه راجع إلى معنى الجري والسرعة.
٢٢٤
وفي المعين قولان : أحدهما : أنّه مفعول، لأنه لظهوره مدرك بالعين من عانه : إذا أدركه بعينه.
وقال الفراء والزجاج : إن شِئْتَ جعلته (فَعِيلاً) من المَاعون، ويكون أصله من المَعْن والمَاعون فاعُول منه.
قال أبو علي : والمعين : السهل الذي ينقاد ولا يتعاصى، والماعون ما سهل على معطيه.
قالوا : وسبب الإيواء أنها فرّت بابنها عيسى إلى الربوة وبقيت بها اثنتي عشرة سنة، وإنما ذهب بها ابن عمها يوسف، ثم رجعت إلى أهلها بعدما مات ملكهم.
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٢٢٣
قوله تعالى :﴿ يا أيها الرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ﴾ الآية.
اعلم أنَّ هذا خطاب مع كل الرسل، وذلك غير ممكن، لأنّ الرّسل إنّما أرسلوا متفرقين في أزمنة مختلفة، فلهذا تأوّلوه على وجوه : فقيل : معناه الإعلام بأن كلّ رسول نُودي في زمانه بهذا المعنى، ووصي به، ليعتقد السامع أن أمراً نودي له جميع الرسل، ووصوا به، حقيق أن يؤخذ ويعمل عليه.
وقال الحسن ومجاهد وقتادة والسدي والكلبي وجماعة : أراد به محمداً - عليه السلام - وحّده على مذهب العرب في مخاطبة الواحد بلفظ الجماعة كقولك للواحد : أيُّها القوم كُفُّوا عنّا أذاكم ولأنه ذكر ذلك بعد انقضاء أخبار الرسل.
وقال ابن جرير : المراد عيسى - عليه السلام - لأنه إنما ذكر بعد ذكره مكانه الجامع للطعام والشراب، ولأنه روي " أنّ عيسى عليه الصلاة والسلام كان يأكل من غزل أمه ".
٢٢٥
والأول أقرب، لأنه أوفق للفظ، ولأنه " روي عن أم عبد الله أخت شدّاد بن أوس أنها بعثت إلى رسول الله ﷺ بقدح لبن في شدّة الحر عند فطره وهو صائم فردّه الرسول إليها وقال :" من أين لَكِ هذا ؟ "، فقالت : من شاةٍ لي، فقال :" من أين هذه الشاة ؟ "، فقالت : اشتريتُها بِمَالي، فأخذه، ثم إنها جاءته فقالت : يا رسول الله لِمَ رَدَدته ؟ فقال - عليه السلام - :" بذلك أمرت الرسل أن لا تأكل إلاّ طيباً ولا تعمل إلاّ صالحاً ".
واختلفوا في الطيّب، فقيل : هو الحلال.
وقيل : هو المستطاب المستلذ من المأكل.
قوله :﴿وَاعْمَلُواْ صَالِحاً﴾ يجوز أن يكون " صالحاً " نعتاً لمصدر محذوف أي : واعملوا عملاً صالحاً من غير نظر إلى ما يعملونه، كقولهم : يُعطي ويمنع.
ويجوز أن يكون مفعولاً به، وهو واقع على نفس المعمول.
﴿إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ وهذا تحذير من مخالفة ما أمرهم به، وإذا كان تحذيراً للرسل مع علو شأنهم، فبأن يكون تحذيراً لغيرهم أولى.
قوله :﴿وَإِنَّ هَـاذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ قرأ ابن عامر وحده " وأن هذه " بفتح الهمزة وتخفيف النون.
والكوفيون بكسرها والتثقيل.
والباقون بفتحها والتثقيل.
فأمّا قراءة ابن عامر فهي المخففة من الثقيلة، وسيأتي توجيه الفتح في الثقيلة، فيتضح معنى قراءته.
وأمّا قراءة الكوفيين فعلى الاستئناف.
وأمّا قراءة الباقين ففيها ثلاثة أوجه : أحدها : أنّها على حذف اللام أي : ولأنّ هذه، فلمّا حذف حرف الجَرّ جَرَى الخلاف المشهور، وهذه اللام تتعلق بـ " اتّقون ".
والكلام في الفاء كالكلام في قوله :" وَإِيَّايَ فَارْهَبُون ".
٢٢٦