وأصحابه وقرأ زيد بن علي، وابن محيصن، وأبو نهيك بضم التاء وفتح الهاء وكسر الجيم مشددة مضارع هَجّر بالتشديد، وهو محتمل لأن يكون تضعيفاً للهَجَر أو للهَجْر (أو للهُجْر) وقرأ ابن أبي عاصم كالعامة إلا أنه بالياء من تحت، وهو التفات.
قوله :﴿أَفَلَمْ يَدَّبَّرُواْ الْقَوْلَ﴾ أي : يتدبروا القول، يعني ما جاءهم من القول وهو القرآن من حيث إنه كان مبايناً لكلام العرب في الفصاحة، ومبرأ من التناقض مع طوله، فيعرفوا ما فيه من الدلالات على صدق محمد ﷺ، ومعرفة الصانع، والوحدانية، فيتركوا الباطل، ويرجعوا إلى الحق ﴿أَمْ جَآءَهُمْ مَّا لَمْ يَأْتِ آبَآءَهُمُ الأَوَّلِينَ﴾ واعلم أنّ إقدامهم على كفرهم وجهلهم لا بُدّ وأن يكون لأحد أمور أربعة : الأول : أن لا يتأملوا دليل ثبوته، وهو المراد من قوله :﴿أَفَلَمْ يَدَّبَّرُواْ الْقَوْلَ﴾ وهو القرآن يعني : أنه كان معروفاً لهم.
والثاني : أن يعتقدوا أن مجيء الرسول على خلاف العادة، وهو المراد من قوله :﴿أَمْ جَآءَهُمْ مَّا لَمْ يَأْتِ آبَآءَهُمُ﴾ وذلك أنهم عرفوا بالتواتر مجيء الرسول إلى الأمم السالفة، وكانت الأمم بين مُصدّقٍ ناجٍ وبين مكذّبٍ هالك، أفَمَا دعاهم ذلك إلى تصديق الرسل.
وقال بعضهم :" أَمْ " هاهنا بمعنى " بَلْ " والمعنى بل جاءهم ما لم يأت آباءهم.
والثالث : أن لا يكونوا عالمين بديانته، وحسن خصاله قبله ادعائه النبوة، وهو المراد من قوله :﴿أَمْ لَمْ يَعْرِفُواْ رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ﴾ والمعنى : أنهم كانوا يعرفونه قبل أن يدعي الرسالة، وكونه في نهاية الأمانة والصدق وغاية الفرار عن الكذب والأخلاق الذميمة، وكانوا يسمونه الأمين، فكيف كذبوه بعد أن اتفقتْ كلمتهم على تسميته بالأمين.
والرابع : أن يعتقدوا فيه الجنون، فيقولوا إنّما حمله على ادعاء الرسالة جنونه، وهو المراد بقوله ﴿أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ﴾.
وهذا أيضاً ظاهر الفساد، لأنّهم كانوا يعلمون بالضرورة أنه أعقل الناس، فالمجنون كيف يمكنه أن يأتي بمثل ما أتى به من الدلائل القاطعة، والشرائع الكاملة.
وفي كونهم سمّوه بذلك وجهان :
٢٤١
أحدهما : أنهم نسبوه إلى ذلك من حيث كان يطمع في انقيادهم له، وكان ذلك من أبعد الأمور عندهم، فنسبوه إلى الجنون لذلك.
والثاني : أنهم قالوا ذلك إيهاماً لعوامهم لئلاّ ينقادوا له، فذكروا ذلك استحقاراً له.
ثم إنه - تعالى - بعد أن عدّ هذه الوجوه، ونبّه على فسادها قال :﴿بَلْ جَآءَهُمْ بِالْحَقِّ﴾ أي : بالصدق والقول الذي لا يخفى صحته على عاقل ﴿وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ﴾ لأنهم تمسكوا بالتقليد، وعلموا أنّهم لو أقرُّوا بمحمدٍ لزالت رياستهم ومناصبهم، فلذلك كرهوه.
فإن قيل قوله :﴿وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ﴾ يدلُّ على أنّ أقلّهم لا يكرهون الحق.
فالجواب : أنه كان منهم من ترك الإيمان أنفَةً من توبيخ قومه، وأن يقولوا ترك دين آبائه لا كراهة للحق.
قوله :﴿وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَآءَهُمْ﴾ الجمهور على كسر الواو لالتقاء الساكنين وابن وثّاب بضمها تشبيهاً بواو الضمير كما كُسرتْ واو الضمير تشبيهاً بها.
فصل قال ابن جريج ومقاتل والسّدّيّ وجماعة : الحق هو الله.
أي : لو اتبع الله مرادهم فيما يفعل وقيل : لو اتبع مرادهم، فيسمّي لنفسه شريكاً وولداً كما يقولون ﴿لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ﴾.
وقال الفراء والزجاج : المراد بالحق : القرآن.
أي : نزل القرآن بما يحبون من جعل الشريك والولد على ما يعتقدون ﴿لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ﴾ وهو كقوله :﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾ [الأنبياء : ٢٢].
٢٤٢