وساوسهم.
وقال مجاهد : نفخهم ونفثهم.
وقال أهل المعاني : دفعهم بالإغواء إلى المعاصي.
قال الحسن : كان عليه السلام يقول بعد استفتاح الصلاة :" لا إله إلاّ الله ثلاثاً، الله أكبر ثلاثاً، اللهم إني أعوذ بك من هَمَزَاتِ الشياطين هَمْزِهِ ونَفْثِه ونَفْخِه ".
فقيل : يا رسول الله ما همزه ؟ قال :" الموتة التي تأخذ ابن آدم " أي : الجنون.
قيل : فَمَا نَفْثه ؟ قال :" الشعْر " قيل : فما نفخُه ؟ قيل :" الكِبْر ".
والثاني : قوله :﴿وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ﴾ أي : في شيء من أموري، وإنما ذكر الحضور، لأن الشيطان إذا حَضَر وسوس.
قوله تعالى :﴿حَتَّى إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ﴾ الآية في (حَتَّى) هذه أوجه : أحدها : أنها غاية لقوله :" بِمَا يَصِفُونَ ".
والثاني : أنها غاية " لِكَاذِبُونَ ".
ويبين هذين الوجهين قول الزمخشري :" حَتَّى " يتعلق بـ " يَصِفُونَ " أي : لا يزالون على سوء الذكر إلى هذا الوقت، والآية فاصلة بينهما على وجه الاعتراض والتأكيد.
ثم قال : أو على قوله :" وإنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ".
قال شهاب الدين : قوله :(أو على قوله كذا) كلام محمول على المعنى، إذ التقدير :" حَتَّى " معلقة على " يَصِفُونَ " أو على قوله :" لَكَاذِبُونَ " وفي الجملة فعبارته مشكلة.
الثالث : قال ابن عطية :" حَتَّى " في هذا الموضع حرف ابتداء، ويحتمل أن تكون غاية مجردة بتقدير كلام محذوف، والأوَّل أبْيَن، لأنّ ما بعدها هو المعنيّ به المقصود (ذكره).
قال أبو حيان : فتوهم ابن عطية أن " حَتَّى " إذا كانت حرف ابتداء لا تكون غاية، وهي وإن كانت حرف ابتداء فالغاية معنى لا يفارقها، ولم يبيّن الكلام المحذوف المقدر.
وقال أبو البقاء :(حَتَّى) غاية في معنى العطف.
قال أبو حيّان : والذي يظهر لي أن قبلها جملة محذوفة تكون " حَتَّى " غاية لها يدل عليها ما قبلها، التقدير : فلا أكون كالكفار الذين تهزمهم الشياطين ويحضرونهم حتى إذا جَاءَ، ونظير حذفها قول الشاعر :
٢٥٣
٣٨٠٦ - فَيَا عَجَبا حَتَّى كُليْبٌ تسُبُّني
أي : يسبني الناس كُلهم حتى كليب إلاَّ أن في البيت دلّ ما بعدها عليها بخلاف الآية الكريمة.
قوله :﴿رَبِّ ارْجِعُونِ﴾.
في قوله :" ارْجِعُونِ " بخطاب الجمع ثلاثة أوجه : أجودها : أنه على سبيل التعظيم كقوله : ٣٨٠٧ - فَإِنْ شِئْتُ حَرَّمْتُ النِّسَاءَ سِوَاكُمُ
وَإِنْ شِئْتُ لَمْ أَطْعَمْ نُقَاخاً وَلاَ بَرْدَا
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٢٥٢
وقال الآخر :
٣٨٠٨ - أَلاَ فَارْحَمُونِي يَا إلهَ مُحَمَّدٍ
وقد يؤخذ من هذا البيت ما يرّد على ابن مالك حيث قال : إنه لم نعلم أحداً أجاز للداعي أن يقول : يَا رَحْيَمُون قال : لئّلا يُوهم خلاف التوحيد، وقد أخبر تعالى عن نفسه بهذه الصفة وشبهها للتعظيم في مواضع من كتابه الكريم كقوله :﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر : ٩].
الثاني : أنه نادى ربه ثم خاطب ملائكة ربه بقوله :" ارْجِعُونِ ".
ويجوز على هذا الوجه أن يكون على حذف مضاف، أي : ملائكة ربي، فحذف المضاف ثم التف إليه في عود الضمير كقوله :﴿وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا﴾ [الأعراف : ٤].
ثم قال :﴿أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ﴾ [الأعراف : ٤] التفاتاً لـ " أهل " المحذوف.
الثالث : أنّ ذلك يدل على تكرير الفعل كأنه قال : ارْجعنِي ارجعنِي نقله أبو
٢٥٤
البقاء وهو يشبه ما قالوه في قوله :﴿أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ﴾ [ق : ٢٤] أنه بمعنى : أَلْقِ أَلْقِ ثنّى الفعل للدلالة على ذلك، وأنشدوا :
٣٨٠٩ - قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ وَمَنْزِل
أي : قف قف.
فصل اعلم أنّه تعالى أخبر أنَّ هؤلاء الكفار الذين ينكرون البعث يسألون الرجعة إلى الدنيا عند معاينة الموت فقال :﴿حَتَّى إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ (قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ﴾ ) ولم يقل : ارجعني، وهو يسأل الله وحده الرجعة لما تقدّم في الإعراب.
وقال الضحّاك : كنت جالساً عند ابن عباس فقال : مَنْ لَمْ يُزَكِّ ولم يَحُج سأل الرجعة عند الموت، فقال رجل : إنما يسأل ذلك الكفار.
فقال ابن عباس : أنا أقرأ عليك به قرآناً ﴿وَأَنفِقُواْ مِن مَّا رَزَقْنَاكُمْ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولُ رَبِّ لَوْلا اا أَخَّرْتَنِى إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ﴾ [المنافقون : ١٠].
وقال عليه السلام :" إذا حضر الإنسان الموت جمع كل شيء كان يمنعه من حقه بين يديه فعنده يقول :﴿رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّى أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ﴾ ".
واختلفوا في وقت مسألة الرجعة، فالأكثرون على أنه يسأل حال المعاينة وقيل : بل عند معاينة النار في الآخرة، وهذا القائل إنَّما ترك ظاهر هذه الآية لمَّا أخبر الله - تعالى - عن أهل النار في الآخرة أنهم يسألون الرجعة.
قوله :﴿لَعَلِّى أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ﴾ أي : ضيّعتُ.
أي : أقول لا إله إلاَّ الله.
٢٥٥


الصفحة التالية
Icon