قوله تعالى :﴿قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ﴾ قرأ الأخوان :﴿قُلْ كَمْ لَبِثْتُمْ﴾ ﴿قُلْ إِنْ لَبِثْتُمْ﴾ بالأمر في الموضعين وابن كثير كالأخوين في الأوَّل فقط.
والباقون :" قَالَ " في الموضعَين على الإخبار عن الله أو الملك.
والفعلان مرسومان بغير ألف في مصاحف الكوفة، وبألف في مصاحف مكة والمدينة والشام والبصرة.
فحمزة والكسائي وَافَقَا مصاحف الكوفة، وخالفها عاصم أو وافقها على تقدير حذف الألف من الرسم وإرادتها.
وابن كثير وافق في الثاني مصاحف مكة، وفي الأَوّل غيرها، أو إيّاها على تقدير حذف الألف وإرادتها.
وأمّا الباقون فوافقُوا مصاحفهم في الأوّل والثاني.
فَعَلَى الأمر معنى الآية : قُولُوا أَيُّها الكَافِرُونَ، فأخرج الكلام مخرج الواحد، والمراد منه الجماعة إذ كان معناه مفهوماً.
ويجوز أن يكون الخطاب لكل واحد منهم، أي : قل أيها الكافرون.
وأمّا على الخبر أي قال الله - عزَّ وجلَّ - للكفار يوم البعث ﴿كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأَرْضِ﴾ أي : في الدنيا أو في القبور.
و(كَمْ) في موضع نصب على ظرف الزمان، أي : كم سنة، و " عَدَد " بدل من " كَمْ " قاله أبو البقاء، وقال غيره :" عَدَدَ سَنِينَ " تمييز لـ " كَمْ " وهذا هو الصحيح.
وقرأ الأعمش والمفضّل عن عاصم :" عَدَداً " منوناً، وفيه أوجه : أحدها : أن يكون عدداً مصدراً أقيم مقام الاسم فهو نعت مقدّم على المنعوت قاله صاحب اللوامح.
يعني : أنَّ الأصل سنين عدداً.
أي : معدودة، لكنّه يلزم تقديم
٢٦٧
النعت على المنعوت، فصوابُه أن يقول فانتُصب حالاً هذا مذهب البصريين.
والثاني : أن " لَبِثْتُم " بمعنى : عددتم، فيكون نصب " عَدَداً " على المصدر و " سَنِينَ " بدل منه.
قاله صاحب اللوامح أيضاً.
وفيه بُعْد لعدم دلالة اللبث على العدد.
والثالث : أنَّ " عَدَداً " تمييز لـ " كَمْ " و " سِنِينَ " بدل منه.
فصل الغرض من هذا السؤال التبكيت والتوبيخ، لأنّهم كانُوا ينكرون لبثاً في الآخرة أصلاً، ولا يُعدون اللبث إلاّ في دار الدنيا، ويظنون أنَّ بعد الموت يدوم الفناء ولا إعادة.
فلمّا حصلوا في النار، وأيقنوا دوامها، وخلودهم فيها سألهم ﴿كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأَرْضِ﴾ مُنبِّهاً لهم على ما ظَنُّوه دائماً طويلاً، وهو يسير بالإضافة إلى ما أنكروه، فحينئذٍ تحصل لهم الحسرة على ما كانوا يعتقدونه في الدنيا، حيث تيقّنوا خلافه، وهذا هو الغرض من السؤال فإنْ قيل : فكيف يصح أن يقولوا في جوابهم :﴿لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ﴾ ولا يقع الكذب من أهل النار ؟ فالجواب : لعلّهم نسوا لكثرة ما هم فيه من الأهوال، وقد اعترفوا بهذا النسيان وقالوا :" فَاسْأَلِ العَادِّينَ ".
قال ابن عباس : أنساهم ما كانُوا فيه من العذاب بين النفختين.
وقيل : مرادهم بقولهم :﴿لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ﴾ تصغير لبثهم وتحقيره بالإضافة إلى ما وقعوا فيه من العذاب.
وقيل : أرادوا أن لبثهم في الدنيا يوماً أو بعض يوم من أيام الآخرة، لأن يوم القيامة مقداره خمسين ألف سنة.
فصل اختلفوا في أنّ السؤال عن أيّ لبث ؟ فقيل عن لبثهم أحياء في الدنيا، فأجابوا بأَنّ قدر لبثهم كان يسيراً بناء على أنّ الله أعلمهم أنَّ الدنيا متاع قليل وأن الآخرة هي دار القرار.
وقيل : المراد اللبث في حال الموت، لأنَّ قوله :" فِي الأَرْضِ " يفيد الكَوْن في الأَرض أي : في القبر، والحيّ إِنّما يقال فيه أنّه على الأرض.
وهذا ضعيف لقوله :﴿وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ﴾ [الأعراف : ٥٦]، واستدلوا أيضاً بقوله :﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُواْ غَيْرَ سَاعَةٍ﴾ [الروم : ٥٥] ثم قالوا :" فَاسْأَلِ العَادِّينَ " أي : الملائكة الذين يحفظون أعمال
٢٦٨


الصفحة التالية
Icon