بني آدم ويُحْصُونها عليهم، وهذا قول عكرمة.
وقيل الملائكة الذين يعدّون أيام الدنيا.
وقيل : المعنى سَلْ من يعرف عدد ذلك فإنّا نسيناه.
وقُرئ " العَادِينَ " بالتخفيف، وهي قراءة الحسن والكسائي في رواية جمع (عَادِي) اسم فاعل من (عَدَا) أي : الظلمة فإنّهم يقولون مثل ما قلنا.
وقيل : العَادين : القدماء المعمرين، فإنّهم سيقصرونها.
قال أبو البقاء : كقولك : هذا بئر عَاديَة، أي ؛ سل من تقدّمنا، وحذف إحدى ياءي النسب كما قَالُوا : الأشعرون، وحُذفت الأخرى لالتقاء الساكنين.
قال شهاب الدين : المحذوف أَوّلاً الياء الثانية ؛ لأنّها المتحركة وبحذفها يلتقي ساكنان.
ويؤيد ما ذكره أبو البقاء ما نقله الزمخشري قال : وقُرئ (العَادِيين أي : القدماء المعمرين، فإنهم يستقصرُونَها، فكيف بِمَن دُونهم ؟ قال ابن خالويه : ولغة أخرى العَادِيّين يعني : بياء مشددة جمع عَادِيّة بمعنى القدماء).
فصل احتجّ من أنكر عذاب القبر بهذه الآية فقال : قوله :﴿كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأَرْضِ﴾ يتناول زمان كونهم أحياء فوق الأرض، وزمان كونهم أمواتاً في بطن الأرض، فلو كانُوا معذبين في القبر لعلموا أنَّ مدة مكثهم في الأرض طويلة، فلم يقولوا :﴿لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ﴾.
والجواب من وجهين : الأول : أنّ الجواب لا بُدّ وأن يكون بحسب السؤال، وإنّما سألوا عن موتٍ لا حياةَ بعده إلاّ في الآخرة، وذلك لا يكون إلاّ بعد عذاب القبر.
والثاني : يحتمل أن يكونُوا سألوا عن قدر اللبث الذي اجتمعوا فيه، فلا مدخل في تقدّم موت بعضهم على بعض فيصح أن يكون جوابهم ﴿لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ﴾ عند أنفسنا.
٢٦٩
قوله :" إِنْ لَبِثْتُم " أي : ما لبثتم " إِلاَّ قَلِيلاً "، وكأنه قيل لهم : صدقتم ما لبثتم فيها إِلاّ قليلاً، لأنها في مقابلة أيام الآخرة.
قوله :" لَوْ أَنَّكُمْ " جوابها محذوف تقديره : لو كنتم تعلمون مقدار لبثكم من الطول لمَا أجبتم بهذه المدة.
وانتصب " قليلاً " (على النعت) لزمن محذوف (أو لمصدر محذوف) أي : إلاّ زمناً قليلاً، أو إِلاّ لُبْثاً قليلاً.
قوله تعالى :﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً﴾ الآية في نصب (عَبَثاً) وجهان : أحدهما : أنّه مصدر واقع موقع الحال أي : عابثين.
والثاني : أنه مفعول من أجله أي : لأجل العبث.
والعَبَث : اللعب، وما لا فائدة فيه، أي : لتعبثوا وتلعبوا، كما خلقت البهائم لا ثواب لها ولا عقاب، وكل ما ليس له غرض صحيح.
يقال : عَبَثَ يَعْبِثُ عَبثاً إذا خلط عليه بلعب، وأصله من قولهم عبثت الأَقِط، أي : خلطته، والعَبِيث : طعام مخلوط بشيء، ومنه العَوْبَثَانِي لتمر وسُوَيْق وسمن مختلط.
قوله :" وَأَنَّكُمْ " يجوز أن يكون معطوفاً على (أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ) لكون الحسبان منسحباً عليه وأن يكون معطوفاً على (عَبَثاً) إذا كان مفعولاً من أجله.
قال الزمخشري : ويجوز أن يكون معطوفاً على (عَبَثاً) أي : للعبث ولترككم غير مرجوعين وقُدّم " إِلَيْنَا " على (تُرْجَعُونَ) لأجل الفواصل.
قوله :" لاَ تُرْجَعُونَ " هو خبر " أَنَّكُمْ "، وقرأ الأخوان " تَرْجِعُونَ " مبنياً للفاعل، والباقون مبنياً للمفعول.
وقد تقدّم أن (رجع) يكون لازماً ومتعدياً.
وقيل : لا يكون إلا متعدّياً، والمفعول محذوف.
٢٧٠


الصفحة التالية
Icon