و " بِهِمَا " يتعلق بـ " تَأْخُذْكُمْ "، أو بمحذوف على سبيل البيان، ولا يتعلق بـ " رَأْفَة " لأن المصدر لا يتقدم عليه معمولاً، و " دِينِ اللَّهِ " مُتعلِّقٌ بالفعل قبله أيضاً.
وهذه الجملة دالة على جواب الشرط بعدها، أو هي الجواب عند بعضهم.
فصل الزنا حرام، وهو من الكبائر، لأن الله تعالى قرنه بالشرك وقتل النفس في قوله :" وَلاَ يَزْنُونَ "، وقال ﴿وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى ﴾ [الإسراء : ٣٢]، وقال عليه السلام :" يَا مَعْشَرَ الناس اتقوا الزِّنَا فإنَّ فيه ست خصال : ثلاث في الدنيا وثلاث في الآخرة، أما التي في الدنيا : فيُذْهِبُ البهاء، ويورث الفقر، وينقص العمر.
وأما اللاتي في الآخرة : فسُخْطُ الله، وسوء الحساب، وعذاب (النار) ".
قال بعض العلماء في حدّ الزنا : إنه عبارة عن إيلاج فرج في فرج مشتهى طبعاً محرم قطعاً.
واختلف العلماء في اللواط، هل يسمى زنا أم لا ؟ فقيل : نعم لقوله - عليه السلام - :" إذا أتى الرجلُ الرجلَ فهما زانيان "، ولدخوله في حدّ الزنا المتقدم.
وقيل : لا يسمى زنا، لأنه في العرف لا يسمى زانياً، ولو حلف لا يزني فلاط لم يحنث، ولأن الصحابة اختلفوا في حكم اللواط وكانوا عالمين باللغة.
وأما الحديث فمحمول على الإثم (بدليل قوله - عليه السلام - ) :" إذَا أَتَتِ
٢٧٩
المَرْأةُ المرأةَ فَهُمَا زَانِيتَان "، وقوله عليه السلام :" اليَدَان تَزْنِيَان، والعَيْنَان تَزْنِيَان " وأما دخوله في مسمى الفرج لما فيه من الانفراج فبعيد، لأن العين والفم منفرجان ولا يسميان فرجاً، وسمي النجم نجماً لظهوره، وما سموا كل ظاهر نجماً، وسموا الجنين جنيناً لاستتاره، وما سمّوا كل مستتر جنيناً.
واختلفوا في حدّ اللوطي : فقيل : حدّ الزنا، إن كان محصناً رجم، وإن كان غير محصن جلد وغرب.
وقيل : يقتل الفاعل والمفعول مطلقاً.
واختلفوا في كيفية قتله : فقيل : تضرب رقبتُه كالمرتد لقوله عليه السلام :" مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوه ".
وقيل : يرجم بالحجارة.
وقيل : يهدم عليه جدار.
وقيل : يرمي من شاهق، لأن الله تعالى عذب قوم لوط بكل ذلك.
وقيل : يعزّر الفاعل، وأما المفعول فعليه القتل إن قلنا يقتل الفاعل، وإن قلنا على الفاعل حدّ الزنا فعلى المفعول جلد مائة وتغريب عام محصناً كان أو غير محصن.
وقيل : إن كانت امرة محصنة فعليها الرجم.

فصل وأجمعت الأمة على حرمة إتيان البهيمة، واختلفوا في حدّه :


٢٨٠
فقيل : حدّ الزنا.
وقيل : يقتل مطلقاً لقوله عليه السلام :" مَنْ أَتَى بَهِيمةً فَاقْتُلوهُ واقْتُلُوهَا مَعَهُ ".
وقيل : التعزير، وهو الصحيح.
وأما السحق وإتيان الميتة والاستمناء باليد فلا يشرع فيه إلا التعزير.

فصل تقدم الكلام في حدّ الزنا في سورة النساء، وأما إثباته فلا يحصل إلا بالإقرار أو بالبينة.


أما الإقرار، فقال الشافعي : يثبت بالإقرار مرة واحدة لقصة العسيف.
وقال أبو حنيفة وأحمد : لا بد من الإقرار أربع مرات لقصة ماعز، ولقوله عليه السلام :" إنَّكَ شَهدتَ على نفسِكَ أربعَ مرات " ولو كانت المرة الواحدة مثل الأربع في إيجاب الحدّ لكان هذا الكلام لغواً، ولقول أبي بكر - رضي الله عنه - لماعز بعد إقراره الثالثة : لو أقررت الرابعة لرجمك رسول الله - ﷺ -.
٢٨١
وقال بريدة الأسلمي : كنا معشر أصحاب محمد نقول : لو لم يقر ماعز (أربع مرات) ما رجمه رسول الله.
وأيضاً فكما لا يقبل في الشهادة على الزنا إلاّ أربع شهادات، فكذا في الإقرار.
وكما أن الزنا لا ينتفي إلاّ بأربع شهادات في اللعان، فلا يثبت إلا بالإقرار أربع مرات.
وأما البينة فأجمعوا على أنه لا بُدّ من أربع شهادات لقوله تعالى :﴿فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنْكُمْ﴾ [النساء : ١٥].
فصل قال بعض العلماء : لا خلاف أنه يجب على القاضي أن يمتنع عن القضاء بعلم نفسه، كما إذا ادعى رجل على آخر حقاً وأقام عليه بينة، والقاضي يعلم أنه قد أبرأه، أو ادعى أنه قتل أباه وقت كذا وقد رآه القاضي حيًّا بعد ذلك، أو ادعى نكاح امرأة وقد سمعه القاضي طلقها، لا يجوز أن يقضي به ولو أقام عليه شهوداً وهل يجوز له أن يقضي بعلم نفسه مثل إن ادعى عليه ألفاً وقد رآه القاضي أقرضه، أو سمع المدعى عليه يقرّ به ؟ فقال أبو يوسف ومحمد والمزني : يجوز له أن يقضي بعلمه، لأنه لما جاز له أن يحكم بشهادة الشهود، وهي إنما تفيد الظن، فلأن يجوز (له) بما هو منه على علم أولى.
قال الشافعي : أقْضِي بعلمي، وهو أقوى من شاهدين، أو شاهد وامرأتين، وهو أقوى من شاهد ويمين، (وبشاهد ويمين) وهو أقوى من (النكول) وردّ اليمين " وقيل : لا يحكم بعلمه لأن انتفاء التهمة شرط في القضاء، ولم يوجد هذا في الأموال فأما العقوبات، فإن كانت العقوبة من حقوق العباد كالقصاص وحدّ القذف فهو مثل المال، إن قلنا لا يقضي فهاهنا أولى، وإلا فقولان.
والفرق بينهما أن حقوق الله تعالى مبنية على المساهلة والمسامحة، ولا فرق
٢٨٢


الصفحة التالية
Icon