بكرة، وشبل بن معبد، ونافع، ونفيع، قال زياد : وقال رابعهم : رأيت استاً تنبو، ونفساً يعلو، ورجلاها على عاتقه كأذني حمار، ولا أدري ما وراء ذلك، فجلد عمر الثلاثة، ولم يسأل : هل معهم شاهد آخر ؟ فلو قبل بعد ذلك شهادة غيرهم لتوقف أداء الحد عليه.
فصل لو شهد على الزنا أقل من أربعة لم يثبت، وهل يجب حد القذف على الشهود ؟ فقيل : يجب عليهم حد القذف لما تقدم آنفاً.
وقيل : لا يجب لأنهم جاءوا مجيء الشهود، ولأنا لو حَدَدْنَا لانسد باب الشهادة على الزنا، لأن كل واحد لا يأمن أن يوافقه صاحبه فيلزمه الحد.
فصل لو أتى القاذف بأربعة فساق فشهدوا على المقذوف بالزنا : قال أبو حنيفة : يسقط الحد عن القاذف، ويجب الحد على الشهود.
وقال الشافعي في أحد قوليه : يُحَدُّون.
واحتج أبو حنيفة بأنه أتى بأربعة شهداء، فلا يلزمه الحد، والفاسق من أهل الشهادة، فقد وجدت شرائط الشهادة إلا أنه لم يقبل شهادتهم للتهمة.
واحتج الشافعي بأنهم ليسوا من أهل الشهادة.
قوله :﴿فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً﴾ وهذا خطاب للإمام، أو للمالك، أو لرجل
٢٩٧
صالح إذا فُقِد الإمام.
ويخص من هذا العموم صور : الأولى : الوالد إذا قذف ولده (أو ولد ولده) وإن سفل لا يجب عليه الحد، كما لا يجب عليه القصاص بقتله.
الثانية : القاذف إذا كان عبداً فالواجب جلده أربعين، وكذا المكاتب، وأم الولد، ومن بعضه حر، فقيل : كالرقيق.
وقيل : بالحساب.
الثالثة : من قذف رقيقه، أو من زنت قديماً ثم تابت فهي محصنة ولا يجب الحد بقذفها.
فصل قالوا : أشد الضرب في الحدود ضرب حد الزنا، ثم ضرب حدّ الخمر، ثم ضرب القاذف، لأن سبب عقوبته محتمل للصدق والكذب، إلا أنه عوقب صيانة للأعراض.

فصل قال مالك والشافعي : حدّ القذف يورث، وكذلك إذا كان الواجب بقذفه التعزير يورث عنه.


وقيل : لا يورث إلا أن يطالب المقذوف قبل موته، فإن قذف بعد موته ثبت لوارثه طلب الحد.
وعند أبي حنيفة : الحد لا يورث، ويسقط بالموت.
حجة الشافعي : أنه حق آدمي يسقط بعفوه، ولا يستوفى إلا بطلبه، ويحلف فيه المدعى عليه إذا أنكر، وإذا كان حق آدمي وجب أن يورث لقوله عليه السلام :" مَنْ مَاتَ عَنْ حَقٍّ فَلورثَتِهِ ".
وحجة أبي حنيفة : لو كان موروثاً لورثة الزوج والزوجة : ولأنه حق ليس فيه معنى المال فلا يورث كالوكالة والمضاربة.
وأجيب بأنا لا نسلم أن الزوج والزوجة لا يرثان، وإن سلم فالفرق بينهما أن الزوجية تنقطع بالموت، ولأن المقصود من الحدّ دفع العار عن النسب، وذلك لا يلحق الزوج والزوجة.

فصل إذا قذف إنساناً بين يدي الحاكم، أو قذف امرأته برجل بعينه، والرجل غائب،


٢٩٨
فعلى الحاكم أن يبعث إلى المقذوف ويخبره بأن فلاناً قذفك، وثبت لك حدّ القذف عليه، كما لو ثبت له مال على آخر وهو لا يعلم، يجب عليه إعلامه، ولهذا بعث النبي - ﷺ - أنيساً ليخبرها أن فلاناً قذفها بابنه، ولم يبعثه ليتفحص عن زناها وليس للإمام إذا رمي رجل بزنا أن يبعث إليه يسأله عن ذلك.
قوله :﴿ولا تقبلوا لهم شهادةً أبداً﴾.
قال أكثر الصحابة والتابعين : إذا تاب قُبِلَتْ شهادته وهو قول الشافعي.
وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والحسن بن صالح : لا تقبل شهادة المحدود في القذف إذا تاب.
وأدلة المذهبين مذكورة في كتب الفقه، وهاهنا مبنية على أن الاستثناء هل يرجع إلى الجملة الأخيرة أو إلى الجمل المتقدمة ؟ فلذلك اختلف العلماء في قبول شهادته بنفس القذف، وإذا تاب وندم على ما قال وحسنت حالته قبلت شهادته، سواء تاب بعد إقامة الحد أو قبله لقوله تعالى :﴿إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ﴾.
وقالوا : الاستثناء راجع إلى الشهادة وإلى الفسق، فبعد التوبة تقبل شهادته ويزول عنه اسم الفسق، يروى ذلك عن عمر وابن عباس، وهو قول سعيد بن جبير ومجاهد وعطاء وطاوس وسعيد بن المسيب وسليمان بن يسار والشعبي وعكرمة وعمر بن عبد العزيز والزهري، وبه قال مالك والشافعي.
وذهب قوم إلى أن شهادة المحدود في القذف لا تقبل أبداً وإن تاب، وقالوا : الاستثناء يرجع إلى قوله :﴿وَأُوْلَـائِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ وهو قول النخعي وشريح وأصحاب الرأي.
وقالوا : بنفس القذف ترد شهادته ما لم يحد.
قال الشافعي : هو قبل أن يحد شر منه حين يحد لأن الحدود كفارات، فكيف تردون شهادته في أحسن حالته وتقبلونها في شر حالته.
وذهب الشعبي إلى أن حد القذف يسقط بالتوبة.
٢٩٩


الصفحة التالية
Icon